عبدالباري طاهر
إيقاف العنف في اليمن مرهون بحل سياسي يقترن بعدالة انتقالية
العدالة الانتقالية هي الإجابة الصائبة والصحيحة والعلاج الناجح لأمراض الصراعات في عالمنا الثالث والرابع.
فالمخرج من كوارث الحروب والمظالم المتسلسلة والمتناسلة لا تكون إلا بتحقيق العدالة والإنصاف.
والعدالة الانتقالية -في هذا العالم، وفي تجارب الأمم والشعوب- اتخذت أكثر من صورة وشكل؛ فهي في المغرب مختلفة عنها في التشيلي أو جنوب إفريقيا أو في اثيوبيا، وهي تقوم على الاعتراف بالحق والمصارحة والمصالحة وجبر الضرر.
وقد رفضت في اليمن من قبل القوى التي لا تريد إلا الاستمرار في الظلم وحكم القوة والغلبة.
والحقيقة عدم الفهم أيضاً لطبيعة ومعنى العدالة الانتقالية يسهم في رفض القبول بها والتعبئة ضدها، وقد رفضت في الحوار اليمني بسبب أصحاب المصالح وتعثر القوى المدنية من إيضاح أن العدالة الانتقالية لا تعني بحال الثأر والانتقام وتصفية الحسابات، وإنما هي التطهر والتسامح والتعافي والمصالحة الشاملة الوطنية والمجتمعية، وانموذج جنوب افريقيا بين البيض والسود وإثيوبيا بين مختلف الأقاليم والأقليات والهويات المختلفة هو الأنسب لليمن.
وفي اليمن فإن معظم الجرائم مصدرها التنازع على السلطة والثروة، والخلافات فيما عدا تنازع الثروة والسلطة ليس عميقا؛ فالخلافات القبلية محكومة بأعراف وتقاليد، وإمكانية حلها قائم وقوي، والخلافات الدينية موظفة سياسيا، وليست بذلك المستوى من الانقسام، واللعبة السياسية فيها هي الأقوى.
الانقسام الحزبي أيضا ليس قويا وهو حديث النشأة وليس له جذور عميقة في الواقع.
الانقسام الجهوي هو الأقوى ولا يمكن معالجته الا بتحقيق عدالة انتقالية بين مكوناته وأطرافه وليس بالمستحيل ولا بالصعب أيضاً.
تأثير العدالة الانتقالية على المسار السياسي مهم جداً؛ لأنه يتيح إعادة صياغة الكيان اليمني بكل ألوان الطيف الفكري والسياسي والمجتمعي والجهوي على أساس سليم ومتين بعد تحديد جذور الخلافات، والكشف عن جذورها وأسبابها واعتراف كل طرف بخطئه والتسامح بعد ذلك وجبر الضرر والالتزام بعدم تكرار الأخطاء بحق الآخر.
إن أي حل سياسي بدون تحقيق العدالة الانتقالية يعني ترحيل المشاكل وبقاء أسباب الصراع بدون حل، وهو ما يعني بقاء دورات العنف والصراع مؤجلة.
أعتقد أن المهم أن يجري نشاط توعوي ثقافي وسياسي وديني أيضا عبر الندوات والمحاضرات وورش العمل، وخطاب الإعلام وبلاغات الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات والجمعيات والنقابات والأندية ومقايل القات وفي المدارس ووسائل الاتصال الاجتماعي للتعريف بمعنى العدالة الانتقالية والتبشير بها وإقناع الجميع بقبولها وأهميتها وهي في اليمن عميقة الجذور، فالاعتراف بالخطأ والتسامح والتصالح تعرفه اليمن كما هو معروف أيضا في مراحل عديدة في التاريخ اليمني، ووجود قانون يحتكم إليه أمر مهم أيضا، والأهم التأكيد أن لا يعني الإدانة أو المحاكمة أو الانتقام وإنما يعني الاعتراف الذي يعني الاعتذار والصفح والتسامح وجبر الضرر مسؤولية الدولة وليس للأفراد أو الأحزاب أو القبائل والجماعات.
في اعتقادي أن أهم العوائق إصرار أطراف الصراع والقوى النافذة والمستفيدة على بقاء الأوضاع كما هي، وهناك أنانية وادعاءات زائفة إما بالأفضلية "السلالية" أو امتلاك الحق الإلهي أو عصبيات من أي نوع أو استشراء هذه المعاني المقيتة، أو عصبيات جهوية: شمال جنوب، أو امتلاك السلاح واعتباره حقيقة الله العظمى، والوسيلة الوحيدة لامتلاك البلاد والعباد.
أوهام القوة والتسيد والعصبيات المقيتة والميتة وامتلاك الحقيقة والتسيد كلها عوائق أمام تحقيق العدالة، كما أن نزعات الاستعلاء واحتكار الوطنية والأوهام، قومية كانت أو دينية، عوائق والأخطر أوهام التفرد والغلبة، لنا الصدر دون العالمين أو القبر.
العدالة الانتقالية التي يرفضها ويتخوف منها البعض تعني شجاعة الكل في الكشف عن الجرائم والأخطاء والاعتراف بها والمقدرة أيضا على دفنها والتخلي عن الإرث الوبيل من الحروب والفتن والثارات والضغائن والأحقاد المتوارثة والمكتسبة وإدارة الظهر للماضي الكالح والتوجه نحو المستقبل.
*من صفحة الكاتب علی (الفيس بوك)