وفد الرئاسي في نيويورك: الاقتصاد أولوية والحوارات تفتح آفاق الاستثمار والتنمية

السياسية - منذ ساعة و 44 دقيقة
نيويورك، نيوزيمن:

وضعت قيادة مجلس القيادة الرئاسي الجانب الاقتصادي في صدارة تحركاتها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقد حاليًأ في نيويورك، في خطوة تعكس إدراكاً رسمياً بأن كبح الانهيار المعيشي يمثل حجر الزاوية لأي تسوية سياسية أو استقرار أمني. 

وخاض وفد مجلس القيادة الرئاسي، برئاسة رشاد محمد العليمي وعضوا المجلس عيدروس قاسم الزُبيدي والدكتور عبدالله العليمي، سلسلة لقاءات مكثفة مع مؤسسات مالية دولية، وشركات استثمارية، ومنظمات إغاثية، سعياً لحشد دعم واسع يعزز مسار الإصلاحات الاقتصادية والتنموية.

تؤكد اللقاءات أن وفد مجلس القيادة الرئاسي جاء إلى نيويورك وهو يحمل رؤية واضحة: الاقتصاد أولوية وطنية لا تقل أهمية عن ملفات السلام والأمن. فالتعافي المالي، وجذب الاستثمارات، وتعزيز الاستقرار النقدي، تشكل – بحسب تصريحات أعضاء الوفد – الأساس الذي ستُبنى عليه أي تسوية سياسية مقبلة.

ويبدو أن الرسالة التي حملها الوفد إلى المجتمع الدولي تتمحور حول أن اليمن، رغم الحرب، لا يزال مهيأً ليكون ساحة استثمارية واعدة، إذا ما توافرت شراكة حقيقية تعالج الجذور الاقتصادية والإنسانية للأزمة وتعيد الثقة بمستقبل البلاد.

دعم نقدي وإصلاحات هيكلية

يمثل التعاون مع البنك الدولي شرياناً حيوياً لاقتصاد يمني أنهكته الحرب وتراجع الدعم الدولي، وهو ما جعل لقاء رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي، وعضو المجلس الدكتور عبدالله العليمي، بالمديرة التنفيذية لعمليات البنك الدولي آنا بيردي في نيويورك، محطة محورية ضمن أجندة الوفد الحكومي.

الاجتماع تناول حزمة واسعة من القضايا الاقتصادية والمالية، بدءاً من استقرار أسعار الصرف وضمان توفر السلع الأساسية، وصولاً إلى التخفيف من تداعيات الهجمات الحوثية المتكررة على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية، والتي تسببت في نزيف موارد الدولة وتفاقم الأزمة الإنسانية.

الرئيس العليمي شدّد على أن الحكومة ماضية في تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة تشمل تحسين إدارة المالية العامة، ورفع كفاءة تحصيل الإيرادات، وتعزيز الشفافية في الإنفاق، باعتبارها الطريق الوحيد لوقف تدهور العملة الوطنية وحماية الخدمات الأساسية. وفي هذا السياق، جدد دعوته للبنك الدولي إلى ضخ التمويلات النقدية عبر البنك المركزي اليمني لضمان استقرار السوق النقدية، مؤكداً أن هذه الخطوة ستساعد على كبح التضخم وتحسين قدرة الحكومة على دفع رواتب القطاع العام وتوفير الخدمات للمواطنين.

وأشاد العليمي بالدور البالغ الأهمية الذي يضطلع به البنك الدولي، ليس فقط في تمويل مشاريع حيوية في الصحة والزراعة والثروة السمكية والأمن الغذائي والحماية الاجتماعية، بل أيضاً في دعم قطاعات التعليم والبنية التحتية وتعزيز قدرات البنك المركزي اليمني. ولفت إلى أن تدخلات البنك في بناء القدرات المؤسسية تمثل ركيزة أساسية لصمود الاقتصاد اليمني أمام الصدمات، ولتمكين القطاع الخاص من مواصلة نشاطه في بيئة شديدة الهشاشة.

كما ثمّن العليمي المساعدات الاقتصادية السعودية الأخيرة التي وُجهت لدعم الموازنة العامة والحفاظ على استقرار الريال، معتبراً أن هذه المساهمة تشكل رافعة مهمة لجهود الإصلاح وتمنح البنك الدولي والمجتمع الدولي مؤشراً على جدية الحكومة والتزامها بخطوات إصلاحية جريئة.

اللقاء يعكس رغبة مزدوجة من جانب الحكومة اليمنية لتوسيع شراكتها مع البنك الدولي بوصفه الشريك الأكثر استقراراً وديمومة في مسار التنمية، ومن جانب البنك نفسه لتأكيد استمرارية دعمه لليمن في وقت تتراجع فيه مستويات المساعدات الإنسانية. كما أن استجابة البنك الدولي لدعوات ضخ التمويلات عبر البنك المركزي قد تمثل نقطة تحول في مساعي استعادة الثقة بالقطاع المصرفي وإعادة عجلة الاقتصاد الوطني إلى مسارها الطبيعي.

إعادة الثقة للاستثمار النفطي

يمثل قطاع النفط والغاز العمود الفقري للاقتصاد اليمني وأحد أهم مصادر العملة الصعبة، وهو ما يفسّر الاهتمام الخاص الذي أولاه رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد محمد العليمي، لهذا الملف خلال لقاء جمعه في نيويورك مع نائب المدير التنفيذي لشركة هنت النفطية الأمريكية، إيغور سالازار. وقد خُصّص الاجتماع لبحث خطط استئناف أنشطة الشركة الاستثمارية في مجالي الاستكشاف والإنتاج والتصدير بعد توقف استمر لسنوات بفعل الحرب وهجمات ميليشيا الحوثي على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية.

العليمي أكد خلال اللقاء التزام الحكومة الشرعية بتوفير بيئة استثمارية آمنة وتسهيلات واسعة أمام الشركات الأجنبية الراغبة في العودة، لافتاً إلى أن استئناف العمليات النفطية يشكّل حجر زاوية في إستراتيجية التعافي الاقتصادي ودعم الموازنة العامة، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة على العملة الوطنية واحتياجات البلاد المتنامية من الموارد.  وأشاد بالدور التاريخي الذي لعبته "هنت" في تطوير الحقول النفطية اليمنية منذ ثمانينيات القرن الماضي، مذكّراً بأن الشركة كانت من أوائل المستثمرين الدوليين الذين أسهموا في إدخال التكنولوجيا الحديثة وإدارة عمليات الإنتاج بكفاءة عالية.

ويرى خبراء اقتصاديون أن إحياء الاستثمار النفطي يرسل إشارات ثقة قوية إلى المجتمع الدولي والمستثمرين الآخرين، خصوصاً مع حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقتها الحكومة مؤخراً، والدعم المالي الذي أعلنت عنه المملكة العربية السعودية لتعزيز استقرار العملة. كما يشير محللون إلى أن عودة الشركات الكبرى، مثل "هنت"، ستسهم في زيادة الصادرات النفطية وتوفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، إلى جانب تنشيط القطاعات الخدمية المرتبطة بالصناعة النفطية مثل النقل، والموانئ، والخدمات اللوجستية.

وتكتسب هذه الجهود أهمية مضاعفة في ضوء الهجمات الحوثية المتكررة على البنية التحتية للطاقة في مناطق الحكومة، والتي تسببت في توقف صادرات النفط منذ أواخر 2022، ما أدى إلى تراجع إيرادات الدولة وتعميق الأزمة الإنسانية. ولذلك فإن استعادة النشاط النفطي لا يُنظر إليه كمسألة اقتصادية فحسب، بل كـ رسالة سياسية تؤكد قدرة الحكومة على حماية مواردها وإعادة دمج اليمن في أسواق الطاقة العالمية، وهو ما يتسق مع دعوات العليمي أمام المجتمع الدولي إلى اعتماد "القوة من أجل السلام" وردع الميليشيات التي تهدد أمن الطاقة الإقليمي والدولي.

التنمية المستدامة

تأتي ملفات التنمية المستدامة في مقدمة أولويات وفد مجلس القيادة الرئاسي إلى نيويورك، إدراكاً لأهمية الاقتصاد في ترسيخ السلام الدائم. وفي هذا السياق، عقد عضو المجلس، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي، لقاءً مع كيلسي غودمان مديرة مبادرات الشرق الأوسط في المنتدى الاقتصادي العالمي، لبحث سبل حشد رأس مال القطاع الخاص الدولي لدعم مشاريع تنموية طويلة الأجل تخلق فرص عمل وتحدّ من الاعتماد على المساعدات الخارجية.

وركز اللقاء على تعزيز الاستثمارات في مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة، وخاصة في العاصمة عدن ومحافظة شبوة، وهي مشاريع تحظى بدعم مباشر من دولة الإمارات العربية المتحدة التي تموّل محطات كهرباء شمسية ومشاريع بنية تحتية للطاقة المستدامة. وأوضح الزُبيدي أن مثل هذه المبادرات ستُسهم في خلق بيئة اقتصادية مستقرة تعزز ثقة المستثمرين الأجانب، وتدعم في الوقت ذاته الجهود العالمية لمكافحة تغيّر المناخ، مؤكداً أن التنمية المستدامة هي البوابة الأهم للخروج من آثار الحرب الطويلة وترسيخ الاستقرار.

وأشار الزُبيدي إلى أن تحقيق هذه الرؤية يتطلب إصلاحات تشريعية وإدارية جاذبة للاستثمار، مع تهيئة مناخ آمن وتوفير حوافز للمستثمرين، فضلاً عن شراكات متينة مع المنظمات الدولية التي يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في إعادة بناء القطاعات الإنتاجية وخلق فرص العمل. وأكد أن المجلس الانتقالي يعمل بالتنسيق مع الحكومة الشرعية على استحداث سياسات واضحة تشجع القطاع الخاص على الدخول في مشاريع استراتيجية، بدءاً من الطاقة النظيفة ومروراً بالبنية التحتية وانتهاءً بالخدمات الأساسية.

وفي موازاة ذلك، لم يغفل الزُبيدي الجانب الإنساني الذي يُعدّ مكملاً رئيسياً للتنمية الاقتصادية، حيث عقد اجتماعاً منفصلاً مع ديفيد مليباند رئيس لجنة الإنقاذ الدولية (IRC)، جرى خلاله استعراض مستجدات الوضع الإنساني في اليمن، وسبل تعزيز برامج اللجنة في الصحة والتعليم وحماية الطفل وتمكين المرأة، إضافة إلى جهود الاستجابة الطارئة لموجات النزوح والأزمات الصحية المتفاقمة.

وأشاد الزُبيدي بالدور الكبير الذي تضطلع به لجنة الإنقاذ الدولية، وبالتسهيلات التي تحظى بها أنشطتها في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية، مؤكداً التزام المجلس الانتقالي بتذليل العقبات أمام عمليات الإغاثة وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بشفافية وكفاءة. من جانبه، جدّد مليباند تأكيد التزام منظمته بمواصلة تدخلاتها الإغاثية والإنمائية، والعمل على توسيع مشاريعها في المناطق الأكثر احتياجاً.

ويرى محللون أن هذه التحركات تعكس مقاربة شاملة للتنمية يتبناها وفد مجلس القيادة، تقوم على الجمع بين إعادة بناء الاقتصاد الوطني عبر استثمارات مستدامة وتوفير دعم إنساني عاجل يخفف من معاناة المواطنين. وبحسب مراقبين، فإن الجمع بين البعدين الاقتصادي والإنساني يمنح المجتمع الدولي إشارة قوية بأن اليمن يسعى لشراكات طويلة الأمد تتجاوز المساعدات المؤقتة إلى بناء اقتصاد قادر على الصمود والتطور.