"مبادرة السويس والبحر الأحمر" .. رهان مصري لاستعادة اقتصادها المتضرر من إرهاب الحوثي

السياسية - Tuesday 21 October 2025 الساعة 05:26 pm
القاهرة، نيوزيمن، خاص:

في وقتٍ تواجه فيه مصر أحد أبرز مصادرها للدخل الأجنبي—  قناة السويس— ضغوطاً شديدة بفعل التوترات البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن جراء الإرهاب الحوثي، برزت مبادرة "مبادرة السويس والبحر الأحمر" كرهان مصري على استعادة عائدات الملاحة التي تضرّرت بقوة. 

إذ تراجعت رسوم العبور والإيرادات من القناة بنحو 9 مليارات دولار خلال ما يُقارب العامين بفعل تنامي الهجمات البحرية التي تشنها الميليشيات الحوثية بدعم إيراني وتحويل السفن لمسارات أطول حول رأس الرجاء الصالح. 

من منظور الاقتصاد المصري، يُعد هذا التراجع تهديداً مباشراً لاستقرار ميزان المدفوعات والعملة الصعبة، وخطط التنمية المستدامة. لذا، تراهن القاهرة على تحوّل هذه الأزمة إلى فرصة عبر تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي في البحر الأحمر، وتحويل موقعها الجغرافي إلى منصة لوجستية بديلة أو مكمّلة تعتمد على الأمن والاستقرار البحري.

إطلاق المبادرة في منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين يحمل دلالات مزدوجة: من جهة إعلان نيّة مصرية رسمية لتعويض الخسائر، ومن جهة أخرى استثمار القاهرة لموقعها وسيطاً محتملاً بين الشرق والغرب والعالم العربي-الإفريقي. إذ قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إن المبادرة تأتي لتعزيز التكامل الاقتصادي بين دول البحر الأحمر، وإن مصر كانت من أكثر الدول تضرّراً من فقدان عائدات الملاحة. 

تبرز "مبادرة السويس والبحر الأحمر" كخطة شاملة لإعادة بناء السياسات البحرية المصرية عبر عدة محاور: استعادة وكالات الشحن العالمي، خفض حواجز التأمين البحري، استقطاب الاستثمارات اللوجستية والصناعية في المنطقة، وربط موانئ البحر الأحمر بقناة السويس والتوسّعات الصناعية حولها، ما يمكن أن يعيد مصر إلى واجهة التجارة العالمية البحرية بخطّ واضح.

السويس والبحر الأحمر

أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال جلسة افتتاح منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين أن مصر ستطلق مبادرة تحت عنوان "مبادرة السويس والبحر الأحمر". وهي تهدف، بحسبه، إلى "تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول البحر الأحمر" باعتبار أن البحر الأحمر يمثل جسراً للتكامل العربي-الإفريقي. 

وقال إن مصر تضرّرت أكثر الدول من حالة عدم الاستقرار في خليج عدن والبحر الأحمر، ووصلت خسائرها إلى ما يزيد على 9 مليارات دولار نتيجة تراجع الملاحة عبر قناة السويس. 

الدلالة الاقتصادية لهذه المبادرة تكمن في أنها تتخطى مجرد استعادة عائدات القناة إلى بنية تحتية إقليمية متكاملة تضمّ موانئ، شبكة لوجستية، مناطق صناعية، وربطاً عبر البحر الأحمر نحو إفريقيا والعالم. وتشير بيانات إلى أن منطقة قناة السويس الاقتصادية (SCZONE) قد سجلت نمواً في بعض الإيرادات الاستثمارية رغم تراجع الملاحة، ما يعكس أن الاستراتيجية المصرية بدأت بالفعل تتنوّع عن مجرد عوائد عبور السفن عبر القناة. 

لكن التحديات تبقى كبيرة، سواء من حيث استعادة ثقة الشحن البحري العالمي، أو من حيث إزالة أو تقليل المخاطر الأمنية، أو كسب مزيدٍ من الشركاء الدوليين في ظل منافسة ممرات بديلة، أو تشكّل منظومة تأمين فعالة.

توتر رغم الهدوء 

رغم إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة والهدوء النسبي في المنطقة، لا تزال الأجواء البحرية مضطربة وتشهد نشاطاً عسكرياً وأمنياً لافتاً. على سبيل المثال، قال ‎مارتن كيلي، رئيس قسم الاستشارات في مجموعة "EOS Risk Group":

"العمليات الجوية البريطانية والأميركية في منطقة الشرق الأوسط شهدت تصاعداً ملحوظاً خلال الفترة من 12 إلى 19 أكتوبر، مع تنفيذ مهام استطلاع وتزويد بالوقود فوق أجواء اليمن وخليج عدن والبحر الأحمر".

وذكر أن طائرة من طراز RC-135W البريطانية حلّقت لنحو ثماني ساعات فوق اليمن قبل العودة، بينما نفذت طائرات Voyager وEurofighter Typhoon البريطانية طلعات فوق جنوب البحر الأحمر، وطائرة P-8A Poseidon أمريكية انتشرت في خليج عدن، إلى جانب طائرة MQ-4C المسيرة من سلاح الجو الأميركي.

هذا النشاط يشير إلى أن المخاطر لم تُحسم بالكامل، وأن شركات الشحن والناقلات العالمية لا تزال تراكم بياناتها بشأن المخاطر، ما يبطئ عودة الحركة إلى سابقها. وعليه، يشير الخبير إلى أن "هواء وقف إطلاق النار" لا يعني تلقائياً عودة الملاحة إلى طبيعتها، بل يحتاج إلى هدوء مستدام وتحقق عملية قبل استعادة الثقة بالكامل.

التأمين مستمر

في هذا المشهد، ترافق ما استمرار الاتحاد الأوروبي من خلال مهمة "أسبيدس" البحرية تأمين السفن التجارية وحماية حركة التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، وذكرت المهمة في تغريدة لها قبل أيام أن أصولها الحربية أمنت أكثر من 1,230 سفينة تجارية خلال 20 شهراً منذ إطلاقها، في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر وخليج عدن. 

المهمة قالت إنها ساهمت في "تعزيز التنسيق الدفاعي للاتحاد الأوروبي، وتقوية التعاون الإقليمي والدولي في المجال البحري، والمساهمة في توفير ممرٍّ آمن للسفن التجارية". وهذا الأمر يمثل جزءاً مهماً من البيئة التي تتطلّع إليها مصر لتحفيز المبادرة: تأمين الملاحة ليس فقط على مستوى الدولة المصرية، بل ضمن شبكة أوسع تضمّ شركاء دوليين. بحسب تصريحات متعلّقة، فإن عدداً من السفن التي كانت تمرّ بـ72 سفينة يومياً عبر القناة قد انخفض إلى نحو 25-30 سفينة، بحسب بيانات وزير الخارجية المصري. 

إذًا، فإن مرحلة استعادة الملاحة لن تخضع فقط لبيئة سياسية وأمنية مستقرة، بل أيضاً لتأمين فعلي يشمل بنية تحتية واقتصادية، بما في ذلك التأمين البحري وأسعار البوالص التي تُعدّ معياراً لقياس المخاطر من جانب شركات النقل.

"حرب غزة" شماعة وتأثيرها على قناة السويس

تستخدم ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران ما يجري في غزة ذريعة لتعطيل الملاحة البحرية والضغط من خلال هجمات على السفن في البحر الأحمر وباب المندب، ما انعكس مباشرة على حركة العبور عبر قناة السويس.

قال خبير النقل الدولي ‎أسامة عقيل إن وقف إطلاق النار في غزة "لا يكفي لعودة الملاحة إلى طبيعتها"، لأن الشركات لا تتّجه فوراً نحو القناة إلا بعد تحقق "الهدوء المستدام". وبيّن أن قبل كل رحلة، تتواصل شركات الملاحة مع شركات التأمين لتقييم المخاطر، وعندما ترتفع قيمة التأمين بشكل كبير، فإن خيار العبور عبر القناة يتأخر أو يُستبدل بخيار أطول حول أفريقيا.

وفق تقرير "المركز الإعلامي بمجلس الوزراء المصري" فإن الملاحة عبر القناة خلال الربع الثاني من عام 2025 زادت بنسبة 3.1 % مقارنة بالربع الأول، والحمولات الصافية ارتفعت بنسبة 6 %، مع تعديل 661 سفينة مسارها للعودة إلى القناة بدلاً من رأس الرجاء الصالح، ما رفع الإيرادات بنسبة 8.3 % لتصل إلى نحو 975.8 مليون دولار مقابل 901.2 مليون دولار في الربع السابق.

لكن رغم هذه المؤشرات الإيجابية، فإن "العلَم الذي ترفعه السفينة" وشهادات التأمين المرتفعة ستبقى عوامل رئيسية تحدّد مدى سرعة استعادة الحركة بالكامل.

التحدّي المزدوج أمام مصر

تواجه مصر تحدّيين متزامنين: أولا، استعادة حركة الملاحة والعبور عبر القناة إلى مستويات مقبولة، وثانياً، تحويل هذه العائدات إلى نمو اقتصادي حقيقي داخل البلاد عبر المبادرة الجديدة.

فيما يخصّ الأول، فإن استعادة الثقة في الملاحة تتطلّب تثبيت الأمن البحري، خفض الحوادث، تراجع التأمين، وتحفيز السفن على العودة إلى القناة. أما فيما يخصّ الثاني، فإن المبادرة "السويس والبحر الأحمر" لا تقتصر على القناة وحدها، بل تشترط تكامل موانئ البحر الأحمر، تطوير المناطق الصناعية، استقطاب الاستثمارات، وتعزيز الربط العربي-الإفريقي.

من جهة أخرى، بيانات مثل أن منطقة قناة السويس الاقتصادية سجلت نمواً قدره 38 % في الإيرادات الاستثمارية رغم تراجع الملاحة (بدون أن تعوّض الهبوط الحاد في الرسوم الـ عبور) تشير إلى أن مصر تخطّط للمناورة والتنوّع الاقتصادي بعيداً عن مجرد رسوم العبور. 

لكن المخاطر تبقى في هذه المنطقة الاستراتيجية بدءًا من غياب للاستقرار البحري، أو ارتفاع كبير في تكلفة التأمين أو تحوّل دائم لسفن الشحن إلى مسارات بديلة قد يطيل أمد الأزمة. من هنا، فإن المبادرة تحتاج إلى شراكة دولية قوية، وتحسين بنية الخدمات اللوجستية، وسياسات تأمين وتحفيز ملموسة تُعيد القناة إلى مكانتها السابقة وتفتح الباب أمام تنمية أقوى.

 تحوّل فعلي وبنيوي 

ويرى خبراء دوليين إن مبادرة "مبادرة السويس والبحر الأحمر" تمثّل تصعيداً استراتيجياً لمصر في استغلال موقعها البحري والجغرافي، وإعادة تأهيل دورها كمحور للربط التجاري بين آسيا وأوروبا وأفريقيا. لكنها أيضاً مشروع محفوف بالمخاطر فبين الحاجة إلى استعادة عوائد بقيمة 9 مليارات دولار وبين واقع توترات بحرية لازالت قائمة، فإن المطلوب أكثر من إعلان مبادرة؛ إنما تحوّل فعلي وبنيوي في الأمن، الملاحة، الخدمات اللوجستية، والتكامل الإقليمي.

وطرح الخبراء توصيات اقتصادية هامة لإنجاح هذه المبادرة بينها قيام مصر بتسريع توقيع مذكّرات التفاهم مع دول المنطقة وشركات الشحن الكبرى ضمن المبادرة لتأكيد استقرار المسار البحري. وكذا ضبط التأمين البحري وخفض معدلات المخاطر عبر تعاون دولي وإقليمي يسهّل عودة السفن. إضافة إلى التركيز على تطوير البنية التحتية لموانئ البحر الأحمر وربطها فعلياً بقناة السويس وخطوط لوجستية صناعية وسككاً حديثة. وإيضا تعزيز التسويق الدولي للمبادرة كممرّ بديل آمن في حال تزايد المخاطر في مسار آخر، وإبراز القيمة المضافة الاقتصادية (خدمات، صناعات، لوجستيات) وليس فقط العبور البحري. وصولًا إلى مراقبة دقيقة لمعدّلات العبور والإيرادات والشفافية في الأرقام، حتى تُبنى السياسات على بيانات ملموسة ولتقييم ما إذا كانت المبادرة تحقق أهدافها.