تدفّق الأسلحة الكيميائية إلى الحوثيين.. نهج إيراني يحول اليمن إلى "منصّة إرهابية"
السياسية - منذ 7 ساعات و 54 دقيقة
عدن، نيوزيمن، خاص:
مرة جديدة، تُثبت العملية التي نفّذتها قوات المقاومة الوطنية بالتعاون مع خفر السواحل والاستخبارات العامة قبالة مضيق باب المندب، أن الحرب في اليمن تجاوزت حدودها المحلية لتتحول إلى ساحة صراع إقليمي مفتوح تُختبر فيها أدوات النفوذ الإيراني وأساليبه الجديدة في الالتفاف على العقوبات الدولية.
فالشحنة التي ضُبطت مؤخرًا لم تكن مجرد محاولة تهريب معزولة، بل جزء من شبكة متكاملة لإمداد الحوثيين بمواد كيميائية ذات استخدام مزدوج، بما يمكّنهم من تطوير قدراتهم التصنيعية داخليًا وتحويل اليمن تدريجيًا إلى قاعدة إنتاج عسكري غير معلنة في خاصرة الممرات البحرية الحيوية.
وتكشف تفاصيل العملية أن التهريب لم يعد يقتصر على الأسلحة التقليدية، بل أصبح يشمل مواد متقدمة تدخل في تصنيع الصواريخ والمسيّرات، وتعزز قدرتها على التخفي من الرادارات أو مقاومة الحرارة أثناء الإطلاق، وهو ما يعني أن الجماعة تسعى إلى امتلاك تقنيات تصنيع معقّدة تسمح لها بالاستقلال عن خطوط الإمداد المباشر القادمة من طهران. وبذلك، تتضح ملامح تحوّل نوعي في الدور الإيراني يقوم على "نقل المعرفة والخبرة" بدلاً من شحن السلاح فحسب، وهو تحول يرفع مستوى الخطر من تهديد تكتيكي محدود إلى خطر استراتيجي طويل المدى.
شحنة خطيرة
وأعلنت شعبة الاستخبارات العامة في المقاومة الوطنية أن القارب الخشبي الذي تم إيقافه قادم من سواحل جيبوتي متجهًا إلى ميناء الحديدة، وكان يحمل 24 برميلاً من مادتي الفينول والفورمالدهيد، إلى جانب ملابس وكمامات ومستلزمات خاصة بالعمل في المعامل الكيميائية وبدلات ومهمات عسكرية أخرى.
وأوضحت الجهات الأمنية أن هذه المواد ليست محض سوائل صناعية عادية، بل تُستخدم في صناعات متقدمة ذات تطبيقات مزدوجة؛ من مقاومة الحرارة والعزل داخل محركات الصواريخ إلى صناعة هياكل خفيفة للطائرات المسيَّرة، بل وحتى في تركيبات تمتصّ الموجات الكهرومغناطيسية ما قد يقلّل من بصمة الرادارات على الطائرات والسفن الحربية. هذه الخصائص تحوّل الشحنة من تهريب تجاري اعتيادي إلى عنصر مباشر في صناعة القدرات القتالية.
تأتي هذه الحصيلة الأمنية في وقتٍ سبق فيه ضبط شحنات أكبر تضم أسلحة ومعدات متطورة، حيث أشار بيان المقاومة إلى ضبط أجهزة فحص مواد كيميائية ضمن حمولات أعيد تصنيفها كشبكات تهريب تُديرها جهات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. كما كشف اعتراف أعضاء الخلايا المضبوطة عن أساليب إخفاء متقنة (حافظات تبريد متحكّم بدرجات حرارتها من خبراء إيرانيين، وعبوات تمويه كعلب حليب وأدوية) ما يعكس درجة احترافية مبرمجة في منظومة التهريب.
وعلى مدى العامين الأخيرين، رصدت تقارير وتحليلات أمنية تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة تهريب المواد والمعدات ذات الطابع الكيماوي والمادي المتقدّم إلى جماعة الحوثي، فيما تشير مصادر استخباراتية ومنصات متخصصة إلى وصول شحنات حوَت حتى سلائف كيميائية ونظائر مشعّة قادمة عبر طرق معقّدة من إيران، مُخصصة لتطوير تقنيات صاروخية وبحرية وطائرات مُسيّرة. ويشير محللون إلى أن الصواريخ المنهوبة من مخزون الجيوش السابقة للمنطقة قادرة تقنيًا على حمل رؤوس كيميائية أو عنقودية إذا تم التعديل عليها وإمدادها بالمقومات المطلوبة.
أن تكرار عمليات الضبط في البحر الأحمر، وتنوع طبيعة المواد المهربة، يشير إلى أن إيران ما زالت تراهن على الحوثيين لتعويض خسائرها المتلاحقة في مسارح نفوذها الأخرى كلبنان وسوريا، مستغلة هشاشة الرقابة في المياه الإقليمية اليمنية وصعوبة السيطرة على خطوط الملاحة الممتدة من القرن الأفريقي حتى سواحل الحديدة. في المقابل، تُظهر العملية الأخيرة تطورًا لافتًا في العمل الاستخباري والأمني اليمني، الذي بات يتحرك في نطاق أوسع من مجرد "مكافحة التهريب" إلى تفكيك البنية اللوجستية التي يعتمد عليها المشروع الإيراني برمّته.
كما إنّ استمرار تدفّق هذه المواد يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية متزايدة، فالتقاعس عن مواجهة هذا النمط من التهريب يعني القبول الضمني بتحوّل اليمن إلى بؤرة صناعية عسكرية خارج السيطرة، تُهدّد أمن الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وخطوط الطاقة العالمية. وهذا الواقع يستدعي مقاربة أمنية واقتصادية وسياسية شاملة تتجاوز حدود بيانات الإدانة، وتعيد النظر في اتفاق ستوكهولم الذي مكّن الحوثيين من الاحتفاظ بموانئ الحديدة، لتصبح اليوم بوابة مفتوحة أمام مشروع إيراني يمدّ جذوره في عمق البحر واليابسة على حدّ سواء.
تخبط إيراني
يربط محللون بين تكثيف تدفق الشحنات إلى اليمن ومحاولات طهران إعادة توجيه ثقلها الاستراتيجي بعد تراجع نفوذ بعض أذرعها في سوريا ولبنان. هذا التحوّل دفع الحرس الثوري وحلفاء إيرانيين إلى الاستثمار في الحوثيين كـ«قاعدة متقدمة» لإبقاء تأثير إقليمي لافت، بحسب تقارير وتحليلات أمنية محلية وإقليمية. والحصيلة العملية لذلك كانت زيادة وتيرة التوريدات من أسلحة ومعدات ومواد حسّاسة، وكذلك تواجد خبراء تقنيين من حزب الله والحرس الثوري في ورش ومواقع ميليشيات الحوثي، بحسب المعلومات المتداولة في سجلات الاعتراض والتحقيقات مع الخلايا المضبوطة.
في هذا السياق أكد العميد الركن صادق دويد، متحدث المقاومة الوطنية، أن الجمهورية الإسلامية "تعاملت مع اليمن باعتباره قاعدة عسكرية متقدمة لتعويض نفوذها المتراجع في المنطقة". وأضاف دويد في تدوينة على منصة إكس أن هذا التحول في السياسة الإيرانية اتضح بوضوح في "تضاعف وتيرة شحنات الأسلحة والمعدات العسكرية التي تم ضبط العديد منها"، محذّرًا من أن سياسة تسليح الوكلاء تحوّل اليمن إلى مصدر تهديد للملاحة الدولية والأمن الإقليمي، وأن المجتمع الدولي مطالب بتحمّل مسؤولياته للجم هذا المسار التخريبي.
ويرى خبراء يمنيون وإقليميون أن ما يجري يتجاوز عمليات تهريب متناثرة إلى مشروع ممنهج يهدف إلى تحويل اليمن إلى منصة لتجميع وتطوير أسلحة متقدمة، خصوصًا في قطاعات الصواريخ والطائرات المسيرة والمواد الكيمائية المُعدّة لتطبيقات عسكرية.
وأضافوا إن وجود ورشٍ تقنية وخبراء أجانب مع توفر المواد الخام يجعل من اليمن مختبراً لتقنيات قد تُستخدم لاحقًا لتهديد خطوط الملاحة أو دول جوار المنطقة. ويشدّد هؤلاء على أن أي محصول صناعي من هذا النوع سيؤدي إلى تصاعد مخاطر تفجّر أزمات إقليمية وارتدادات دولية على حرية الملاحة في بحر العرب والبحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وبرغم تحذيرات جهات محلية وأدلة مادية مقدّمة من المقاومة الوطنية، تظل استجابات المجتمع الدولي متباينة، وهو ما يطرح اتّهامات بـ«حالة تهاون» قد تُمكّن شبكة التهريب من تعويض خسائرها عبر مسارات جديدة. المحلّلون يرون أن السماح لبنية تهريب متطوّرة بالاستمرار يعني فتح نافذة زمنية لتراكم قدرات هجومية لا يمكن احتواؤها بسهولة لاحقًا. وتُعتبر الإجراءات الدولية المقترنة بفرض مراقبة فعالة على خطوط الشحن وموانئ التصدير والقياس التقني لنوعية المواد المصدّرة وإجراءات إنفاذ صارمة ضد الشبكات المتورطة، خطوات لا بدّ من تشارك دولي فوري لتنبيه خطر محتمل على الأمن العالمي.
الواقعة الأخيرة ليست مجرد إحباط لعملية تهريب؛ بل مؤشر صارخ على مشهد أوسع يجري في اليمن: تصاعد قدرة الجماعات المسلحة على الحصول على مدخلات تقنية متطورة بتسهيل خارجي، ومحاولات لإعادة إنتاج قدرات عسكرية على نحو قد يُغير قواعد اللعبة في البحر والبرّ.
وفي غياب تحرك دولي منسّق وفعّال، ومع استمرار التنافس الإقليمي، يظل خطر تحويل السواحل اليمنية إلى مركز لتصنيع الأدوات القتالية قائماً، ومعه ترتفع احتمالات أن تصبح طرق التجارة والملاحة الدولية في المنطقة أكثر عرضة للخطر.
>
