في وقت قياسي: القوات الجنوبية تغيّر خارطة النفوذ والسيطرة في الشرق الجنوبي

السياسية - منذ 4 ساعات و 58 دقيقة
المكلا، نيوزيمن، خاص:

شهدت محافظة حضرموت، كبرى محافظات جنوب اليمن، تحولات دراماتيكية خلال الأربعة الأيام الأولى من شهر ديسمبر الجاري، انتهت بسيطرة القوات المسلحة الجنوبية على مدينة سيئون، المركز الإداري والعسكري لوادي حضرموت، بعد سنوات من وجود قوات المنطقة العسكرية الأولى المحسوبة على حزب الإصلاح، الذراع المحلية لتنظيم الإخوان المسلمين.

وجاءت هذه التطورات ضمن عملية عسكرية واسعة حملت اسم "المستقبل الواعد"، وامتدت تداعياتها إلى محافظة المهرة وشبوة، وسط انشقاقات داخلية، واحتجاجات شعبية، وحراك سعودي لاحتواء الموقف.

هذا التقرير يرصد التسلسل الزمني للأحداث، بدءاً من شرارة التوتر الأولى التي انطلقت في سيئون في 30 نوفمبر، بالتزامن مع ذكرى الاستقلال، إلى الحسم العسكري وتغيير خريطة السيطرة في الشرق الجنوبي.

بداية التحولات

تُعيد كثير من الأطراف بداية التوترات إلى يوم 30 نوفمبر، ذكرى استقلال الجنوب، حيث تحولت المناسبة الوطنية إلى نقطة فاصلة في العلاقة بين الشارع الحضرمي وقوات المنطقة العسكرية الأولى.

فمع تدفق الحشود إلى سيئون للمشاركة في الفعالية، استحدثت المنطقة الأولى العديد من النقاط العسكرية التي أعاقت آلاف المشاركين من الوصول إلى موقع الاحتفال. ورغم الطوق الأمني والانتشار المكثف، تمكنت الجماهير من كسر الحصار وسط هتافات تطالب بـ"تحرير وادي حضرموت".

هذا المشهد أدى إلى انفجار غضب شعبي واسع. فبعد ساعات فقط، أعلنت مجموعات شبابية، من بينها "شباب الغضب"، الدعوة إلى اعتصام مفتوح في ساحة الستين بسيئون للمطالبة بإخراج المنطقة العسكرية الأولى وتمكين القوات المحلية من تأمين الوادي. غير أن قوات المنطقة الأولى واجهت الاعتصام بالقوة، واقتحمت الساحة مستخدمة الرصاص الحي لتفريق المعتصمين، مع تنفيذ اعتقالات ومصادرة كاملة للخيام.

زاد هذا القمع من تآكل شرعية المنطقة العسكرية الأولى في نظر الشارع، وترافق مع اتهامات متصاعدة للقوات بأنها أصبحت منفذاً للتهريب ومظلة لجماعات متطرفة.

وفي بيان رسمي، اتهم المجلس الانتقالي الجنوبي هذه القوات بأنها "الرئة التي يتنفس منها الحوثي والإخوان والتنظيمات الإرهابية"، مؤكداً أن الجنوب "لن يكون ممراً للتهديدات الأمنية ولا مأوى للجماعات المتطرفة".

تزامن ذلك مع تصاعد الاحتجاجات في مناطق الساحل، والتي غذّتها أزمة خدمات خانقة، أبرزها انهيار شبه كامل في منظومة الطاقة بعد قطع إمدادات الغاز عن محطات التوليد. وكنتيجة لذلك، أعلنت شركة بترومسيلة توقف الإنتاج في القطاع (14) نتيجة "الأوضاع الأمنية المتدهورة"، محذّرة من مخاطر اشتباكات قرب المنشآت النفطية.

على وقع هذه الأزمات، برز اسم عمرو بن حبريش، وكيل حضرموت ورئيس حلف القبائل السابق، الذي قاد ما وصفه مسؤولون بـ"تمرد مسلح" عبر السيطرة على مواقع شركات نفطية مستغلاً حالة الغضب الشعبي. وفي مقابلة مع "BBC عربي"، برّر بن حبريش خطواته بأنها "لحماية المنشآت"، رافضاً مشروع "الجنوب العربي"، ومطالباً السعودية بالتدخل لوقف ما سماه "الانفلات".

لكن تصريحات بن حبريش قوبلت برد رسمي حاد من عضو رئيس مجلس القيادة الرئاسي اللواء فرج البحسني، الذي وصف تحركاته بأنها "عمل تخريبي"، محمّلاً قيادة المجلس مسؤولية تقاعسها في التعامل مع الملف في وقت مبكر.

كل هذه التطورات المتزامنة صنعت مشهداً يمكن القول إنه مهّد لمرحلة الحسم العسكري، الذي انتهى بإطباق السيطرة على مناطق الوادي وسقوط آخر معاقل الإخوان في الجنوب.

سقوط المنطقة العسكرية الأولى

مع دخول ديسمبر، بدأت ملامح مواجهة شاملة تتشكل. ففي يوم الثلاثاء الماضي، 2 ديسمبر، تحركت وحدات من القوات المسلحة الجنوبية باتجاه سيئون، في خطوة وصفتها مصادر عسكرية بأنها تهدف إلى "تأمين الوادي ووقف تغوّل المنطقة العسكرية الأولى". ونقلت قناة "عدن المستقلة" عن مصادر قولها إن قوات المنطقة الأولى استخدمت معتقلين كـ"دروع بشرية" في منطقة الغرف بتريم لعرقلة التقدم.

في خضم هذه التطورات، شهدت المنطقة العسكرية الأولى انفجاراً داخلياً غير مسبوق. فقد أكدت مصادر أن عشرات من أفراد كتيبة الحضارم أعلنوا انشقاقهم وانضمامهم للقوات الجنوبية، كما نقل مركز "سوث24". فيما رحبت القوات الجنوبية بهذه الخطوة، معتبرة أنها "تصحيح لمسار وطني" ومؤشراً على اهتزاز جبهة المنطقة الأولى من الداخل.

وفي صباح 3 ديسمبر، انطلقت رسمياً عملية "المستقبل الواعد". ووفق المتحدث باسم القوات الجنوبية المقدم محمد النقيب، فإن العملية تهدف إلى "تطبيع الأوضاع، وقطع طرق تهريب السلاح للحوثيين، والقضاء على الإرهاب".

وتقدّمت القوات بسرعة قياسية، حيث أظهرت مقاطع مصورة دخولها مدينة سيئون ورفع علم الجنوب على نقطة "شحوح" الاستراتيجية ثم نقطة "السويري" في تريم. وفي غضون ساعات، سيطرت القوات على "شارع الستين" والمباني الحكومية، قبل أن تعلن إحكام السيطرة على مطار سيئون الدولي، مع نشر مشاهد حصرية من داخله.

لكن التقدم لم يكن دون ثمن. فقد أكدت مصادر عسكرية سقوط ثلاثة قتلى من القوات الجنوبية خلال اشتباكات قرب المطار.

على المستوى الشعبي، أظهرت صور ومقاطع مصورة ترحيب سكان سيئون بدخول القوات، فيما خرجت مسيرات مؤيدة في الضالع وأبين، وسط دعوات إلى "تثبيت الأمن" و"إنهاء سنوات الفوضى".

وفي اليوم نفسه، وصل وفد سعودي رفيع إلى المكلا برئاسة اللواء محمد القحطاني، في محاولة لاحتواء التوتر. وأكد الوفد أن التحالف "لن يسمح بانزلاق حضرموت نحو الفوضى"، مشدداً على ضرورة إعادة الاستقرار.

ومع ساعات المساء، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي "السيطرة الكاملة" على سيئون، فيما وصف اللواء أحمد سعيد بن بريك ما حدث بأنه "فرصة تاريخية لتحرير الوادي، وبداية مسار لاستعادة الدولة الجنوبية".

إنجازات جنوبية متتالية

لم تتوقف تداعيات عملية "المستقبل الواعد" عند حدود حضرموت. ففي 4 ديسمبر، أعلنت قناة "عدن المستقلة" أن القوات الجنوبية تسلمت رسمياً قيادة محور الغيضة واللواء 137 مشاة في محافظة المهرة، إلى جانب النقاط الأمنية الرئيسية وميناء نشطون.

من جانبها، وجهت السلطات المحلية في المهرة بسحب كافة القوات الشمالية من نقاط المحافظة، وتكليف الشرطة العسكرية الجنوبية بقيادة محسن مرصع بتأمينها.

وبالتزامن مع تقدم القوات نحو الشرق، أعلنت القوات الجنوبية السيطرة على اللواء 23 ميكا في منطقة العبر بصحراء حضرموت، حيث ظهرت عناصرها وهي تحتفل داخل المعسكر.

وفي الساحل، استعادت قوات النخبة الحضرمية السيطرة على مواقع الشركات النفطية في الهضبة بعد انسحاب مسلحي عمرو بن حبريش، وقالت المنطقة العسكرية الثانية إنها صدت "هجوماً فاشلاً" للمسلحين، مؤكدة فرض "تأمين كامل" للمواقع الاستراتيجية.

كما برزت خلافات داخلية بين قيادات حلف القبائل التابع لبن حبريش حول الاتفاق مع السلطة المحلية، فيما أعلنت قيادة حضرموت التوصل إلى تفاهمات تقضي بوقف التصعيد والبدء بترتيبات انسحاب المسلحين من محيط الشركات.

وفي المهرة، أكد المجلس الانتقالي في تصريحات منفصلة أن "الأوضاع الأمنية مستقرة"، داعياً المواطنين للتعاون في "ضمان السكينة العامة".

ومع نهاية 4 ديسمبر، كانت خريطة السيطرة في شرق الجنوب قد تغيّرت جذرياً: سيئون تحت سيطرة القوات الجنوبية، المنطقة العسكرية الأولى منهارة، مراكز عسكرية في العبر والغيضة انتقلت للقيادة الجنوبية، والنفوذ القبلي المسلح الذي قاده بن حبريش يتراجع أمام تدخلات أمنية وسياسية سعودية ومحلية.