فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

تنظم الحوثية احتفالات دينية لتحقيق أهداف سياسية

Sunday 02 October 2022 الساعة 10:54 am

الأيام والأعياد الجديدة الخاصة بالجماعة الحوثية كثرت.. تحتفل بها الجماعة احتفالا صاخبا، حيث صيرت منها مهرجانات سياسية، وعززت بعض منها بنصوص قانونية أضيفت إلى قانون العطل الرسمية.. ومن هذه الأيام والأعياد: عيد الولاية- يوم الغدير، ذكرى استشهاد علي، ذكرى استشهاد الحسين، مولد الزهراء، يوم الشهيد، يوم 21 سبتمبر، وأعادت بناء المناسبات المعتادة: المولد النبوي، يوم عاشورا، والاسراء والمعراج، وفاقا لمناهجها.. وقد قضت العادة بأن يلقي زعيم الجماعة عبد الملك خطبا دينية طويلة يمتحها من نفس البركة القديمة الآسنة، يكرر في كل واحدة منها القول الهادف المقصود.

الاحتفال بأي من هذه المناسبات لم يعد سهلا وتلقائيا.. فلكل مناسبة تشكل لجنة احتفالات مركزية في صنعاء.. تتبعها لجان فرعية في المحافظات.. ولجان اشراف، ولجان دعاية وإعلام، ولجان تحشيد، ولجان جمع أموال، ولجان تنظيمية، ولجان خدمات ولوجستي.. والاعداد للاحتفال بأي مناسبة يتم قبل موعدها الزمني ببضعة أيام وربما عشر، وهذا يرينا أن المسألة ليست مجرد تذكير رديئ الذاكرة، بل إعادة صياغة ثقافته غير المرغوب بها.

لا يدرك معظم الناس أن هذه الأعياد والأيام استدعيت من الماضي لهدف أساسي هو تماسك الجماعة وحشد أكبر قدر من الجمهور إلى جانبها، وأن مضامين تلك الخطب المجلوبة من البركة الآسنة، هدفها بعث روح جماعية تخضع لتحكم الجماعة الدينية- العرقية.

تدرك قيادة الجماعة أن تأثير التقاليد الموروثة، وثقافة الدين القديم، أقوى من تأثير أي ثقافة علمية معاصرة، ولذلك لا تسمح بتسرب الوعي العلمي إلى رؤوس الناس، بل تحاصره بخطاب الولاية، تمجيد الهوية الإيمانية، التقاليد اليمنية، المسيرة القرآنية، والولاء لآل هاشم، الصالح منهم والفاسق والبر والمجرم سواء بسواء.

والذي يتابع خطب عبد الملك الحوثي سوف يلحظ أنه يتوجه إلى العواطف وليس إلى العقول، حتى إنه عندما يتعرض لمشكلة حدثت في الماضي، فإنه يضفي عليها الأكاذيب لكي يثير الحشد الذي يستمع إليها دون وعي، ويفتري اخبارا وحكايات لإدانة الحاضر، كما يزين ماضي آل البيت لكي يكسب التعاطف لهم وللجماعة أيضا، ونزعم هذه من جملة أساليب التحصين ضد الانفتاح والتغيير، وبالتالي يسهل له ولمساعديه توجيه الجماعة وقيادتها، وجذب الانصار ودفعهم لاتخاذ مواقف ضد أنفسهم وضد مصالحهم، وإلا كيف نفسر الهياج الجماعي والحماسي لآل البيت، للزهراء، للأئمة، للسيد، وحكم الهاشميين، في حين أن هذا الشعب قد خبر مساوئ العرقية والتمييز الطبقي، ولم يعرف المساواة، ولم يعرف الحياة الحقيقية إلا بعد الثورة التي أزالت حكم الأئمة آل البيت وحلت محله نظاماً جمهورياً لجمهور اليمن.. فهل السيد الذي يعتنق ثقافة الأئمة المستبدين المتخلفين السابقين يمكنه أن يخرج عنها، أو يتخلى عنها اليوم؟

ونخمن أن بعض الناس يدركون أن هذا التحشيد الجماعي سياسي، وهو كذلك، لكنهم عندما يصيرون جزءاً من الحشد أو مشاركين مع الجماعة يتنازلون عن عقولهم، ويتقبلون أن يقادوا كما تقاد جماعة الغوغاء التي لا تفكر أو لا تعي مثلها مثل الإخوان الذين فاخروا أنهم يكونون كالموتى بين يدي مرشديهم.. لذلك لا نتعجب عندما نجد مثقفا في هذا الحشد الحوثي أو ذاك يردد شعارات الجماعة، ويلهج باسم السيد، ويظهر التعظيم لمن يدعون أن النبي محمد أبوهم وجدهم.

قد لا يؤمن عبد الملك الحوثي أو غيره بصحة كل ما يقوله للجماعة والغفل الملحقين بها، لكنه يفعل، يفعل عمدا طالما يؤدي ذلك إلى تماسكها، واجتذاب مزيد من الناس، والاضرار بالمنافسين أو الخصوم، بل المحايدين أيضا.

محمد أحمد المهدي قاد في العام 1881 ميلادي جماهير سودانية غفيرة بالأسطورة، زعم أن الرسول محمد جاءه في المنام يأمره بالثورة على الإدارة المصرية في السودان، فكانت ثورة اساسها حلم رجل نائم!

والجنرال المشهور بالقسوة، نابليون بونابرت دغدغ عواطف جماهير فرنسية باسم الدين والثورة، واستطاع بذلك أن يقود وراءه أكثر من مائة ألف شخص جعلهم مستعدين للتضحية بأنفسهم من أجل قضيته الخاصة التي لا علاقة لهم بها.. ونابليون لم يكن مخلصا في دغدغته، فقد عزف على أوتار الدين عزفا متكررا لتحقيق أهدافه، وقد اعترف أمام مجلس الدولة الفرنسي أنه لم يستطع القضاء على خصوم الثورة الفرنسية في بلدة الفاندي الريفية إلا بعد أن تظاهر أنه كاثوليكي حقيقي، وأنه لم يستطع الاستقرار في مصر إلا بعد أن تظاهر بأنه مسلم نقي، وأنه عندما تظاهر أنه بابوي متطرف استطاع كسب ثقة الكهنة في إيطاليا، ولو أنه أتيح له حكم شعب من اليهود لأعاد من جديد هيكل سليمان!!