في اليمن، لا يُقاس الطريق بالكيلومترات، بل بعدد الحواجز، ونوع السلاح المرفوع في وجهك، ولهجة العسكري الذي يسألك: “إلى أين؟”
في اليمن، الطريق ليس وسيلةً للوصول، بل اختبارٌ يوميٌّ للنجاة.
بين مأرب وصنعاء، يقولون إن الطرق مفتوحة، لكن المسافر يعرف الحقيقة:
يفتحونها أمام الكاميرات… ويغلقونها بالبندقيات.
الطريق بين تعز وعدن لم يَعُد طريقًا، بل صار آلةَ تعذيب.
من ساعتين إلى ست، وأحيانًا إلى أجلٍ غير مُسمّى، تمرّ خلالها من حفرةٍ إلى كمين، ومن شكٍّ إلى إذلال، ومن نقطةِ تفتيشٍ إلى سؤالٍ بلا إجابة.
في الحُديدة، لا تتحرك الشاحنات إلّا بتصريح، والتصريح يحتاج تصريحًا، والتصريح الثاني يحتاج مالًا، والمال يحتاج إذنًا من مسؤولٍ لا يظهر إلّا بعد جلسة “تخزين”… إن ظهر.
الحوثيون يرفعون الحواجز متى شاءوا، يوقفون من يريدون، ويُطلِقون من يريدون.
والشرعية… تلتزم الصمت، صمتًا مريبًا، كأنّ الطرق لا تعنيها.
الطريق لم يَعُد حقًّا عامًا، بل صار ملكًا خاصًّا يُؤجَّر، ويُفتَّش، ويُراقَب.
صار ميدانًا للابتزاز، والترويع، والإذلال.
قالوا: فتح الطرق مؤجّل إلى ما بعد الحرب، لكن ماذا لو انتهت الحرب وبقيت الطرق مغلقة؟
ماذا لو ظلّت الحواجز؟
وظلّ الجنود هم الحاكمون؟
وظلّ المريض يموت في الطريق؟
وظلّت الأم تنتظر عودة ابنها على قارعة الطريق، وتدعو له بالنجاة من الحاجز التالي؟
في اليمن، لا تُقاس التنمية بعدد المشاريع، بل بعدد الأرواح التي تأخّرت عن الحياة… لأنّ كل الطرق تؤدي إلى الإذلال.
افتحوا الطريق. فقط الطريق.
لسنا نطلب شيئًا أكثر من ذلك.
افتحوا الطريق بين المدن… بين الإنسان وأخيه الإنسان… بين المريض والمستشفى… بين المسافر والمطار… بين الحياة والمستقبل.
افتحوا الطريق… قبل أن ننسى أننا بشر.
من صفحة الكاتب على منصة إكس