مصطفى محمود

مصطفى محمود

تابعنى على

الجاهل حينما يعتقل المفكر.. بنية الانقلاب المعرفي في المجتمع اليمني

منذ ساعتان و 42 دقيقة

ليس اكثر  فداحةً من لحظةٍ يصبح فيها الجاهلُ عبدالملك الحوثي سيدًا وحاكمإ، والمفكر  حمود العودي مسجوناً.. حين  يملك الجاهل  سلطةَ المصير، ويتحوّل العالم  إلى سجين ، نكتشف انكسارًا عميقًا، ليس في ميزان القوة فحسب، بل في هندسة المجتمع ذاته.

القضية لا تكمن فقط في أنّ الأميّ  يعتقل العالِم، بل في أنّ بنيةً اجتماعية سمحت للأمية بأن تقرر مصير المعرفة،  ما يُعتقل هنا ليس مجرد فردٍ من لحم ودم، بل (فكرة)  فكرةُ أنّ الفهم يمكن أن يكون سلطة موازية. لهذا، تتوجّس السلطة السلالية التي لا تفكر من كل من يحاول التفكير خارج إطارها.

في مثل هذه البنى المغلقة بالجهل والخرافه، تتحوّل الثقافة إلى خطرٍ أمني، ويُعاد تعريف المفكر باعتباره خائن،  المعرفة تُصبح تهديدًا لأنها تكشف ضحالة تناقضات السلطة السلاليه، تناقضات مجر ظهور المفكر. تخشى ان يقول  الناس  ان من يحكم جاهل لا يفهم، وأنّ من يفهم لا يُسمح له أن يحكم.

السلطة الحوثيه السلاليه  تخاف السؤال،لإنها  سلطة بلا ذات٠ تتغذى من صمت المجتمع ، لا وعيه، وتستمد مشروعيتها من تكرار الخضوع، لا من اتفاقٍ عقلاني. ولهذا، فإن الصراع بين الجاهل والمفكر ليس شخصيًا، بل هو مواجهة بين نمطين من الوجود: أحدهما يَستمد بقاءه من تجهيل الآخرين، والآخر يرى في الفهم خلاصًا جماعيًا.

على مر التاريخ، كانت كل  سلطةٍ اماميه كهنوتيه تخاف المعرفة تزرع حولها جدارًا من المقدسات والاتهامات، لأنّها تعرف أنّ السؤال الواحد القادر على زعزعة يقينها لا يأتي من الخارج، بل ينبع من داخل اللغة نفسها التي تتحدث بها. وحين تُعتقل اللغة الناقدة، تُختنق الأمة بصمتها.

أخطر ما يحدث في مثل هذه اللحظات ليس قمع المفكر حمود العودي وامثالة. فحسب، بل تحويل المجتمع إلى شريكٍ في صمته.. حين يتواطأ الناس مع الظلم بدافع الخوف أو العادة، تتحوّل المظلومية إلى ثقافة، ويتحوّل القهر إلى نظامٍ أخلاقي، وربما يُنظر إليه كطبيعة الحياة نفسها.

لكن الفكر لا يُهزم بالحديد؛ لأنه لا يقيم في الجسد. يُعتقل صاحبه، فيتسرّب المعنى إلى الهواء. قد يتأخر التاريخ في استيعاب ذلك، لكنه في النهاية يعيد التوازن بين من يعرف ومن يتسلّط، بين من يفكر ومن يفرض. المفكر الذي يُقمع يتحوّل إلى ذاكرةٍ غاضبة، إلى طاقةٍ تُعيد كتابة الحاضر بطريقةٍ مختلفة، وكأنّ حمود العودي  يهمس لنا: الحرية لا تموت، ولو بدا للسلطة ألحوثيه انها انتصرت.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك