تظهر الصراعات جلياً داخل أي منظومة أو جماعة، عندما تقترب من التسويات، فيتم إبراز أدوات التسوية، وإبعاد أدوات الحرب والتضحية..!
هذا السلوك ليس مقتصراً على جماعة الحوثي، لكنه موجود بطبيعته كسلوك مصاحب للقوى والجماعات السياسية في اليمن، بمختلف توجهاتها وارتباطاتها، نتيجة لثقافة الأنا المتأصلة داخل معظم اليمنيين..!
ولكن جماعة الحوثي تختلف في بشاعتها عن كافة القوى اليمنية، لأسباب متعددة، أهمها الإرث التقليدي لطبيعة المنشأ والفكر الإمامي، الذي خاض عدة حروب باليمنيين، خلفت مذابح وقتلاً فيهم بسبب صراع داخلي على الإمامة داخل البيت الهاشمي..!
بالإضافة إلى وجود إيران، فقد شكل عاملاً آخر مضافاً للإرث الإمامي، وصعود يوسف المداني كقائد عام لجيش الحوثي، والمهدي كقائد للمنطقة الرابعة، وعبدالخالق الحوثي كقائد للمنطقة المركزية، وعلي حسين الحوثي كقائد فعلي للأمن والمخابرات والداخلية بشكل عام، في حال تأكد موت عبدالكريم الحوثي..!
فيوسف المداني المكنى "أبو حسين" هو القائد الفعلي للحركة، وارتباطه بطهران منذ عهد حسين الحوثي.
وبعد مقتل حسين الحوثي، سافر والده بدر الدين الحوثي إلى صنعاء، وكان عبدالملك بصحبة والده مسافراً من صعدة إلى صنعاء، لكن يوسف المداني قال بالحرف لعبدالملك الحوثي: "انزل، وين رايح؟ بقاءك هنا ضروري"، ونزل عبدالملك، وبدأ المداني يضعه في الواجهة ليكمل ما بدأ به حسين الحوثي..!
والملاحظ اليوم أن يوسف وتياره يقدمون نجل حسين الحوثي للواجهة، لأنه من السهل توجيهه والتحكم به، بعد أن رفض عبدالملك كل المحاولات لإزاحة مهدي المشاط من الرئاسة.
يبدو أن يوسف المداني وتياره، بما فيهم نجل حسين الحوثي، هم من قدموا معلومات لتصفية الغماري وقيادات أخرى وحكومة الحوثي، وحتى عبدالملك الحوثي، حيث تفيد معلومات بأن الغارات الأمريكية استهدفت مكاناً كان يتواجد بالقرب منه، نتج عن ذلك الاستهداف مقتل واحد من معاوني عبدالملك وأحد حراسته..!
ما يعزز هذا الاستنتاج هو اندفاع طهران لتقديم عبدالملك الحوثي من خلال المؤتمر القومي الذي بدأ مؤخراً بتمويل واضح من طهران، كخليفة لحسن نصر الله، وهي رسالة إيرانية تهدف لتحقيق ثلاثة أهداف للنظام الإيراني:
الأول: محاولة إلصاق الحوثية بالتوجه القومي للعرب.
الثاني: تقديم الحوثي كبديل لنصر الله، كي يتم التعامل معه بنفس الطريقة التي تم التعامل بها في اغتيال نصر الله، كي يتسنى لها تقديم علي نجل حسين الحوثي بديلاً لعمه، فيما يوسف المداني، رجلها الأول، هو الحاكم الفعلي..!
الثالث: إيران تقول إنه لا يمكن احتواء الحوثية إلا من خلال التفاهم معها وعودة الولايات المتحدة للتفاوض حول البرنامج النووي ورفع العقوبات..!
وسيظل الصراع بين أقطاب الحوثية كل يوم يتجلى أكثر، وصولاً إلى مرحلة الانكشاف التام التي قد تعيد الحركة إلى بداياتها، ولكن هذا لن يتم بالوقت الحالي، ربما بعد أن تكون هناك قوة حقيقية وقيادة متواجدة في الميدان، تعمل كما هو واقع الحال في سوريا، التي كان يعرف الناس ممثلي ثورتها من خلال الائتلاف الوطني السوري وشخصيات مثل برهان غليون وأحمد الجربا والخ...!
وهذا ينطبق على الشرعية اليمنية، فالناس يعرفونها من خلال مجلس القيادة وحكومته، ولكن الواقع مختلف، وقد يجد اليمنيون أنفسهم بحالة مشابهة لسوريا، مع اختلاف السيناريوهات وأدواتها..!
>
