د. لمياء الكندي

د. لمياء الكندي

تابعنى على

حمزة يعيش… الرثاء الذي سيطول

منذ 50 دقيقة

ما تزال أخبار الموت تتوالى على مسامع شعبٍ يقتات الوجعَ وجبةً يومية، يتناولها مع أقراص الخذلان. يتغذّى على الألم، ويصاب بتخمة الفقر. وكلما هبّت في طريقه نسمةٌ من نسائم الرحمن تفرش له بساط الأمل، وجد نفسه يرثي ذاته بعدما تفلّت ذلك الأمل من يديه.

لقد كان حمزة يعيش نسمةً من نسائم الرحمن؛ نسمةً قادتها رياح الكرامة لتُداوي جراح من جُرحوا لأجل فدائنا.

اختار حمزة أن يكون نفسَ الرحمن، وأن يكون زادًا وماءً، وأن يكون فراشًا وخيمةً. اختار أن يكون بلسَمًا يداوي بالكلمة، وأن يكون عطرًا عبقًا يغلب على جيف الخيانة، فيمنح المكان طيبًا، ويزكي بحضوره غيابَ من غابوا.

نذر حمزة أيامه الأخيرة ليكون سندًا لجرحى ومعاقين لم تُقعدهم الحرب بقدر ما أقعدهم خذلانُ القادة.

كان حمزة جريحًا مثلهم؛ فهو جريحُ الروح التي تغتالها كلَّ يومٍ يدُ الفساد، تلك اليد التي لا ترعى لمن ضحّى عهدًا ولا ذمّة.

وهو كسيرُ البلاد التي لم تُصغِ لمن بذلوا أرواحهم فداءً لها.

هو جريحُ الدولة والقيادة والأحزاب، الذي لم يُصب بطلقة، غير أنّ كبرياءه انجرح عندما افترش مع رفاقه من جرحى الحرب أرصفةَ الطريق، يبحث معهم عن الكرامة، يتسوّل ــ بكبرياء المحارب ــ نخوةَ رجالٍ صاروا من صنائع الهزيمة.

رحل حمزة وهو يحاول أن يجمع ما تيسّر له جمعه من كبرياءٍ وشرفٍ ورجولةٍ بات ينعى موتَها فينا كلَّ يومٍ يشرق، فيما عتاةُ الفساد يديرون ظهورهم لوجوه العزّ على أرصفة الخذلان.

رحل حمزة إلى الموت على عجلٍ كي نرثيه طويلًا؛ نرثيه كلما رأينا جريحًا هنا، وفسادًا يلهث هناك.

لقد استوفى حمزة نصيبه من الكرامة، فاختاره الموت إلى جواره قبل أن يحول الطغاة دونها.

رحل وفي قلبه حارسٌ للبلاد، وفي روحه طبيبٌ مختصٌّ بمعالجة الوجع اليماني، وتستقر فيه رايةٌ للنصر ما تزال ترفرف من طهر روحه، تتلو عليه آيات الرحمن الذي كان سفيره.

فعليك يا حمزة… سيطول الرثاء.

وبمثلك — يا حمزة يعيش — لابدّ أن نعيش، ولابدّ لهذا الجرح أن يندمل.

من صفحة الكاتبة على الفيسبوك