عادل الهرش

عادل الهرش

تابعنى على

الطرقات.. أول لبنة لأستعادة وبناء الدولة اليمنية

منذ 3 ساعات و 32 دقيقة

لم تبدأ معركة الطرق في اليمن بوصفها شأنًا خدميًا أو مشروع بنية تحتية معزول، بل جاءت نتيجة مباشرة لواقعٍ فرضته جماعة الحوثي حين اتخذت من قطع الطرقات سياسة ممنهجة، ومن تمزيق الجغرافيا وسيلة لإخضاع الناس ومحاصرتهم. فمنذ انقلابها، حوّلت الطرق إلى مصائد موت، فجّرت الجسور، أغلقت المنافذ، وعزلت المحافظات عن بعضها، ليس لضرورة عسكرية حقيقية، بل لإدارة البلاد بمنطق الحصار والتجويع وكسر الإرادة. هكذا تمزّق اليمن، لا بالسلاح وحده، بل بقطع شرايينه الحيوية.

في مواجهة هذا النهج التخريبي، لا يمكن قراءة ما يجري في الساحل الغربي من بناءٍ منظم ومتسارع لشبكة الطرق إلا بوصفه إجراءً مضادًا واعيًا، وردًّا استراتيجيًا مباشرًا على مشروع العزل الحوثي. فالطريق هنا لم يعد مجرد إسفلت يمتد بين نقطتين، بل تحوّل إلى قرار سيادي يعيد وصل ما قُطع، ويؤكد أن الأرض لا تُدار بالألغام، ولا يُحكم الناس بالحصار، وأن الجغرافيا اليمنية ليست أداة ابتزاز بيد المليشيا.

الساحل الغربي، بحساسيته العسكرية وموقعه الحيوي، ظل لسنوات مسرحًا مفتوحًا لاحتمالات الفوضى والمناورة المعادية، لكن المعادلة تغيّرت عندما أُعيد تعريف الطريق بوصفه أداة سيطرة واستقرار في آنٍ واحد. فقد اختصرت الطرق الزمن بين القيادة والميدان، وأمّنت خطوط الإمداد، ورفعت كفاءة التحرك العسكري، وحوّلت المساحات المفتوحة إلى نطاقات محكومة تُدار بعقل الدولة لا بعشوائية الجبهات. ومع كل طريق يُفتح، كانت رقعة السيطرة تتماسك، وكانت قدرة الحوثي على الالتفاف والتسلل تتآكل بصمت، دون ضجيج أو استعراض.

غير أن أثر هذه الطرق لم يتوقف عند البعد العسكري. فقد كسرت عزلة القرى، وربطت الإنسان بمحيطه الطبيعي، وأعادت للحياة اليومية إيقاعها بعد سنوات من الانقطاع. أصبح الوصول إلى المستشفيات أكثر يسراً، وانتقلت المنتجات من الأرض إلى السوق، وعاد الصياد والمزارع جزءًا من دورة اقتصادية حقيقية. وهنا تلاشى منطق الحصار أمام منطق الحياة، وتقدمت التنمية باعتبارها الوجه الآخر للأمن، لا ترفًا مؤجلًا ولا شعارًا إعلاميًا.

وفي قلب هذا التحول، يبرز الدور المحوري لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعاملت مع الساحل الغربي برؤية تتجاوز مفهوم الدعم المؤقت إلى منطق بناء الاستقرار طويل الأمد. دعمٌ ذكي، محسوب، وغير استعراضي، انحاز للبنية التحتية، ولتمكين الواقع المحلي، ولترسيخ نموذج مختلف في إدارة المناطق المحررة، نموذج يواجه مشروع التدمير الحوثي بمشروع بناء، ويقابل سياسة قطع الطرق بسياسة فتحها وربطها بالناس والمستقبل.

أما الفريق الركن طارق صالح، فقد قدّم نموذجًا لقيادة تفهم أن أخطر ما في الحروب ليس استمرار القتال، بل ترك الفراغ. قيادة تقرأ الصراع بلغة الدولة، لا بلغة الضجيج، وتدرك أن السلاح وحده لا يصنع نصرًا دائمًا، وأن تثبيت الإنجاز يبدأ من النظام والانضباط والبنية التحتية. لم يكن قرار شق الطرق قرارًا هندسيًا فحسب، بل موقفًا سياسيًا سياديًا في مواجهة مشروع التمزيق، وخيارًا يعكس فهمًا عميقًا لطبيعة المعركة ومستقبل اليمن الجمهوري.

بهذا المعنى، فإن الطرق في الساحل الغربي ليست مشاريع خدمية عادية، بل أفعال مقاومة استراتيجية، وانتقال واعٍ من إدارة الصراع إلى إدارة الأرض والإنسان. هي إعلان صامت بأن اليمن الذي قُطّعت أوصاله مليشيا العدو الحوثي يمكن إعادة وصله بعزيمة الرجال، وبأن المناطق المحررة لا تُدار بمنطق الطوارئ، بل تُبنى لتبقى، لأن من يملك الطريق لا يربح معركة عابرة فحسب، بل يصنع قرار الدولة ومفاتيح مستقبل اليمن الجديد.