الحوثيون يعودون لاستهداف السفن في البحر الأحمر.. وواشنطن تتهمهم بنقض الاتفاق وتهديد الملاحة الدولية
السياسية - منذ 6 ساعات و 6 دقائق
عاد التوتر ليخيّم مجددًا على مياه البحر الأحمر، بعد أسابيع من الهدوء النسبي، إثر استئناف ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران هجماتها ضد السفن التجارية المارة قبالة السواحل اليمنية، في خرق واضح للتفاهم الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة مطلع مايو الماضي، وبموجبه تم تعليق الضربات الجوية الأمريكية مقابل التزام الميليشيات بوقف هجماتها على خطوط الملاحة الدولية.
وخلال الأيام الماضية، شن الحوثيون هجومًا على سفينتي شحن في البحر الأحمر في تصعيد هو الأول من نوعه منذ إعلان الاتفاق مع واشنطن. الأولى في السادس من يوليو تحمل أسم "ماجيك سيز" وهي ناقلة ترفع علم ليبيريا وتديرها اليونان. حيث تعرضت الناقلة لهجوم متسلسل شمل إطلاق نار وصواريخ ومسيرات بحرية، بالإضافة إلى أربعة زوارق مفخخة يتم التحكم بها عن بعد. وأدى إلى إغراقها بشكل كامل. وقد تم إجلاء طاقمها المكوّن من 21 فردًا إلى جيبوتي، بواسطة سفينة تجارية كانت تمر بالقرب من موقع الحادث.
وبعد أقل من 48 ساعة، تعرضت سفينة أخرى تدعى "إترنيتي سي"، ترفع أيضًا علم ليبيريا ومملوكة لشركة يونانية، لهجوم صاروخي استمر ليومين، واستخدم فيه الحوثيون زوارق متفجرة وطائرات مسيرة، ما أدى إلى إغراق السفينة ومقتل أربعة من طاقمها. وقد تمكنت فرق الإنقاذ من انتشال 10 بحارة أحياء، فيما لا يزال 11 آخرون في عداد المفقودين. ووفقًا لبيان صادر عن البعثة الأمريكية في اليمن، فإن عددًا من البحارة الذين لم يُعثر عليهم يُعتقد أنهم اختُطفوا من قِبل الحوثيين، في استمرار لانتهاكات الجماعة ضد قواعد القانون الدولي الإنساني وحقوق البحارة المدنيين.
نقض الاتفاق
هذا التصعيد الجديد أعاد المخاوف من عودة الخطر على خطوط الملاحة العالمية، لاسيما وأن الهجمات الحوثية على السفن التجارية تمثّل تهديدًا مباشرًا لحركة التجارة عبر البحر الأحمر، التي تمر بها نحو 12% من التجارة البحرية العالمية. فبعد الاتفاق المعلن من قبل واشنطن، شهد الممر البحري توقفًا مؤقتًا للهجمات الحوثية، وهو ما أسهم في إعادة بعض السفن التجارية وخطوط الشحن العالمية إلى المسار الاستراتيجي للبحر الأحمر وصولًا إلى قناة السويس، بعد أن كانت قد غيرت مساراتها منذ أواخر 2023 نتيجة تصاعد التهديدات. غير أن عودة الحوثيين مؤخرًا لتكتيك الإرهاب البحري، أعاد المخاوف الإقليمية والدولية بشأن مستقبل أمن الملاحة، وأكد هشاشة أي التزامات تصدر عن جماعة مرتبطة بشكل مباشر بالحرس الثوري الإيراني.
وبحسب مصادر عسكرية ودبلوماسية غربية، فإن الهجمات الأخيرة التي نفذتها الميليشيا باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ موجهة ضد سفن شحن تجارية قبالة السواحل اليمنية تمثل "نقضًا مباشرًا" للتفاهمات التي توسطت فيها سلطات عُمانية بين واشنطن والحوثيين، والتي قضت بوقف الضربات الأمريكية الجوية ضد مواقع الجماعة داخل اليمن، مقابل التزام الحوثيين بعدم تنفيذ أي هجمات بحرية أو استهداف للملاحة الدولية.
غير أن الهجمات الأخيرة التي تبنّاها الحوثيون، والتي تسببت في أضرار مادية وبشرة بين طواقم السفن، أعادت التحذيرات الدولية من مخاطر استمرار تهديد أمن وسلامة الملاحة الدولية. واعتبرت المصادر أن هذا التصعيد يكشف "الوجه الحقيقي للجماعة وعدم التزامها بأي تفاهمات"، محذرة من أن السلوك الحوثي يُقوّض كل الجهود الدبلوماسية الساعية لنزع فتيل التوتر في الممر البحري الحيوي.
وتشير تقديرات أمنية إلى أن الحوثيين يسعون، من خلال هذا التصعيد، إلى فرض معادلة جديدة في البحر الأحمر تربط بين وقف عملياتهم العسكرية البحرية واستجابة المجتمع الدولي لمطالبهم السياسية، ضمن أجندة إيرانية أوسع لإبقاء التوتر قائمًا في المنطقة.
رد أمريكي.. ومطالبة إسرائيلية
وفي ظل هذا الهجمات الخطيرة، تتجه الأنظار مجددًا نحو الولايات المتحدة الأمريكية واحتمال عودة الخيار العسكري إلى الطاولة، خصوصًا بعد أن مثلت العمليات الأخيرة خرقًا صريحًا للتفاهم الذي أعلنت عنه واشنطن مطلع مايو مع الحوثيين.
مسؤول أمريكي رفيع قال إن "الولايات المتحدة تنظر بجدية إلى هذه الخروقات"، مؤكدًا أن العودة إلى الضربات الجوية ضد مواقع الميليشيا "أمر وارد جدًا إذا استمرت الجماعة في تهديد خطوط الملاحة العالمية".
ويُثير هذا التطور تساؤلات بشأن رد الفعل الأمريكي والدولي إزاء الانتهاك الحوثي، في وقت تحذر فيه دوائر سياسية وملاحية من أن استمرار هذا النهج العدائي للجماعة، وسط غياب ردع حقيقي، قد يدفع شركات الشحن الكبرى إلى تعليق عملياتها مجددًا في البحر الأحمر، وهو ما من شأنه أن يفاقم التحديات الاقتصادية العالمية ويهدد أمن الممرات البحرية الدولية.
وسائل إعلام عبرية كشفت عن تحركات إسرائيلية دبلوماسية وأمنية حثيثة لحث الولايات المتحدة على استئناف ضرباتها الجوية ضد ميليشيا الحوثي في اليمن، في ضوء التصعيد الأخير. وذكرت قناة "كان 11" الرسمية أن إسرائيل نقلت رسالة مباشرة إلى واشنطن خلال الأيام الماضية، شددت فيها على أن تزايد الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، إلى جانب إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، بات يمثل تهديدًا دوليًا متفاقمًا.
وطالب مسؤولون أمنيون إسرائيليون نظراءهم الأمريكيين بـ"العودة إلى الساحة اليمنية"، معتبرين أن الحوثيين أصبحوا عامل زعزعة إقليمي يتطلب تشكيل تحالف دولي واسع للرد عليه، وتوجيه رسالة حازمة بأن استهداف الملاحة الدولية أو الأراضي الإسرائيلية لن يمر دون رد.
ووفقًا لصحيفة "معاريف"، فإن تل أبيب تعتبر أن الهجمات البحرية الحوثية الأخيرة، التي أدت إلى إغراق سفينتين ومقتل وفقدان عدد من البحارة، تمثل تصعيدًا نوعيًا يتطلب تحركًا عسكريًا دوليًا مشتركًا. وأشارت إلى أن صواريخ الحوثيين التي تم اعتراضها فوق البحر الميت وفي الأجواء الإسرائيلية مؤخرًا، تعزز من القناعة بأن التهديد تجاوز الإطار المحلي وأصبح جزءًا من معركة أوسع على أمن المنطقة.
ابتزاز سياسي
ويرى مراقبون أن الاتفاق غير المعلن مع الحوثيين، الذي وُصف بكونه نافذة تهدئة مؤقتة، قد انهار فعليًا بعد استهداف سفن تجارية – وإن لم تكن أمريكية – لكن طبيعة التهديد ونوعيته تؤثر مباشرة على الأمن البحري العالمي ومصالح الولايات المتحدة في واحد من أهم الممرات الاستراتيجية الدولية. موضحين أن الأزمة قد تعود إلى مربع المواجهة المفتوحة، في حال أقدمت واشنطن والتحالف الدولي على استئناف الضربات الجوية ضد مواقع الحوثيين، ما لم يتم كبح تصعيد الجماعة المدعومة من إيران، ووضع حد لاستهتارها بأمن الملاحة العالمية.
ويؤكد المحلل السياسي محمد المحمدي، أن الهجمات الحوثية الأخيرة اتسمت بدقة عالية في التنفيذ واختيار الأهداف، في دلالة على تطور تكتيكي وتسليحي للجماعة، وقد يكون بإشراف مباشر من إيران. موضحًا إن المؤشرات الحالية توحي بإمكانية الانتقال إلى مرحلة جديدة من التصعيد العسكري، وسيقابله ردع أمريكي ذكي من خلال شن هجمات مركزة على البنية القيادية للحوثيين ضمن استراتيجية لا تؤدي إلى انزلاق واشنطن إلى حرب شاملة وجديدة.
وأضاف أن الحوثيون، يسعون للحفاظ على مستوى معين من التصعيد يكفل استمرار لعبة التوازن والابتزاز السياسي، مستفيدين من تردد المجتمع الدولي وهشاشة المواقف الدولية، ومع اقتراب الخطوط الحمراء من الانهيار، تبدو خيارات واشنطن ضيقة ومكلفة، لكن الرد العسكري قد يصبح حتميًا لحماية الملاحة الدولية واستعادة الحد الأدنى من الردع والهيبة في البحر الأحمر.