مهرجان نجم البلدة.. موسم اقتصادي يُنعش شرايين الحياة في حضرموت
الجنوب - منذ 7 ساعات و 54 دقيقة
في ساعات الصباح الأولى، ومع نسمات الفجر الأولى، يحمل محمد حسن (27 عامًا) عربته الصغيرة المليئة بأقراص "الباخمري" الساخنة – الفطائر المحلية المشهورة في حضرموت – وينطلق بها إلى كورنيش الستين في مدينة المكلا. هناك، حيث يتجمع الآلاف من المواطنين عند شروق الشمس في موسم مهرجان نجم البلدة السنوي، للأغتسال بمياه البحر البادرة، حيث يجد محمد فرصته لتسويق بضاعته وتحقيق دخل يومي يكفيه ويعين أسرته.
يقول محمد: "أصحو مع صلاة الفجر وأتوجه مباشرة إلى الساحل، آلاف الناس يأتون للاغتسال والاستمتاع، والفرصة أمامي لبيع أكثر من أي وقت آخر. مهرجان نجم البلدة أنعش السوق، وأتاح لنا نحن الباعة البسطاء فرصة لا تتكرر كثيراً".
ولا تقتصر الفائدة على محمد، فالكثير من الشباب – من الجنسين – وجدوا في المهرجان فرصة لعرض منتجاتهم الصغيرة، من معجنات ومشروبات وعصائر، إلى أدوات السباحة والبخور والعطور المحلية وغيرها من المنتوجات والأعمال والمأكولات الشعبية.
يقول سالم عبدالحافظ لـ"نيوزيمن" إن المهرجان أصبح متنفسًا اقتصاديًا حقيقيًا، "الناس يأتون من مختلف مناطق حضرموت ومن خارجها، لقضاء أوقات جميلة وسعيدة بمناسبة مهرجان البلدة الذي يعد فرصة اقتصادية للترويج والكسب والدخل. فسواحل المكلا تتحول إلى سوق مفتوح. والأسر الفقيرة تستفيد من هذا الموسم، وهناك من ينتظرونه طوال العام لتعويض مواسم الركود".
صورة فريدة أثناء تواجدك على الشريط الساحلي المحاذي لشارع الستين. فالساحل أصبح ما يشبه السوق الشعبي الكبير، تتعالى فيه صيحات الباعة من مختلف الأعمار، حتى الأطفال لم تفُتهم الفرصة، فبعضهم يعرض ما تصنعه أمهاتهم في المنازل من معجنات ومأكولات للبيع، وآخرون يقدمون الشاي والمياه والعصائر الباردة.
مهرجان نجم البلدة، الذي يتزامن مع ظاهرة برودة البحر الموسمية، لم يعد فقط مناسبة دينية وتراثية، بل صار أيضًا موسماً اقتصادياً حيوياً، يضخ الحياة في شرايين الاقتصاد المحلي ويمنح الشباب أملاً جديداً وفرصاً حقيقية للعمل والكسب الشريف.
لكن أثر المهرجان لا يقتصر على الباعة الجائلين فقط، بل يمتد إلى قطاع السياحة والفنادق. يؤكد علي المعاري، موظف في أحد الفنادق السياحية بمدينة المكلا، أن نسبة الإشغال وصلت إلى 100% خلال أيام الموسم، قائلاً: "لم نستطع مواجهة الطلب المتزايد من الزوار، الذين قدموا من مختلف المحافظات اليمنية، بل وحتى من دول الخليج، للاستمتاع بالأجواء الفريدة لهذا الموسم".
ويضيف المعاري أن "السياحة الداخلية أصبحت ركيزة أساسية، رغم الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، إلا أن انتعاش القطاع السياحي خلال هذه الفترة ملحوظ، والناس يحرصون على الحضور كل عام".
هذا الحراك جذب أيضًا أنظار المستثمرين. فالسلطات المحلية في حضرموت تسعى، بحسب مراقبين، إلى استغلال موسم الصيف لتحريك عجلة الاقتصاد في ظل محدودية الموارد الحكومية، وذلك عبر دعم الفعاليات الموسمية وجذب الاستثمارات. ويشير مراقبون إلى أن الاستقرار الأمني في المدينة شجع رجال أعمال على التوسع في إنشاء فنادق ومنشآت سياحية على طول الشريط الساحلي لشارع الستين.
وفي السياق ذاته، يرى الناشط الحضرمي عوض باحمران أن "الاستفادة من الظواهر المناخية الموسمية تقليد عربي قديم يحمل بُعدًا اقتصاديًا هامًا"، مضيفًا أن "على السلطات المحلية أن تستثمر موسم نجم البلدة بشكل أفضل، عبر خطط مدروسة تستهدف دعم الأسر المنتجة، وتمكين الشباب العاطلين عن العمل من فرص مستدامة خلال هذا الموسم وما بعده".
وبين طقس البحر البارد مع نجم البلدة، وصيحات الباعة على الرمال، وأسراب السياح والزوار، تتحول مدينة المكلا إلى خلية اقتصادية نابضة، تصنع الفرح والرزق وتزرع الأمل في قلوب كثيرين.