الحوثيون يستهدفون "صناع الوعي".. حملات اختطاف وقمع ممنهجة للمعلمين في تعز وإب
الحوثي تحت المجهر - منذ ساعتان و 50 دقيقة
في سياق يتجاوز حدود الانتهاكات الفردية، ويكشف عن ملامح النظام القمعي الخبيث، تواصل ميليشيا الحوثي الإيرانية في اليمن تنفيذ سياسة تكميم الأفواه وإسكات العقول، متخذة من المعلمين هدفًا رئيسيًا في حربها ضد الوعي المجتمعي والاستقلال الفكري.
وتحوّلت المدارس من مؤسسات تعليمية في مناطق سيطرة الميليشيات إلى ساحات مواجهة فكرية، بات فيها المعلمون مهددين ليس فقط بالفصل والحرمان من الرواتب، بل بالاعتقال والاختفاء القسري أيضًا.
مديرية ماوية بمحافظة تعز تمثل اليوم واحدة من أبرز بؤر التصعيد الحوثي ضد المعلمين والشخصيات المجتمعية. حيث وثقت الحقوقية وعضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، إشراق المقطري، تنفيذ المليشيا حملة اعتقالات تعسفية طالت تسعة مواطنين، بينهم معلمون وأئمة وخطباء مساجد.
وأكدت أن عمليات الخطف تمت دون أي مسوغ قانوني أو توجيه تهم رسمية، بل رافقتها مداهمات مسلحة للمنازل، وإرهاب لعائلات المختطفين، ما يعكس سياسة قمع ممنهجة تستهدف النسيج المجتمعي المقاوم للهيمنة الطائفية.
هذه الممارسات ليست جديدة، بل تأتي في سياق تصعيدي بدأ منذ سنوات، وتزايدت وتيرته عقب مقتل الشيخ حنتوس في محافظة ريمة، حيث لجأت الجماعة إلى إجراءات عقابية في المناطق المتبقية تحت سيطرتها، لتصفية ما تصفه بـ"النشاط المعادي"، والذي يشمل في حقيقته أي شكل من أشكال الرفض أو الاستقلال الفكري.
بالتوازي مع تعز، شهدت محافظة إب حملة مشابهة، حيث داهمت ميليشيا الحوثي منازل المعلمين عباس حميد الوشاح وعبده صالح الخياني في مديرية القفر، واعتقلتهما دون إذن قضائي.
وبحسب مصادر محلية، فإن الاعتقالات جاءت على خلفية بلاغات كيدية قدّمها مشرفون حوثيون، تتهم المعلمين بعدم تنفيذ برامج طائفية في المدارس أو التأثير "السلبي" على معنويات الطلاب المجندين.
اللافت في الحالتين – ماوية وإب – أن الاستهداف الحوثي لا يقتصر على الآراء أو الأنشطة العلنية، بل يشمل الحياد المهني ذاته، إذ بات يُنظر إلى أي معلم لا يردد سردية الجماعة كخصم محتمل. وهو ما دفع ميليشيا الحوثي لتكثيف أدوات السيطرة على المدارس، من خلال تعيين مشرفين طائفيين بلا مؤهلات، وتغيير المناهج، وتحويل العملية التعليمية إلى أداة تعبئة عقائدية تخدم المشروع الإيراني في اليمن.
ولا تكتفي ميليشيا الحوثي بالترهيب الجسدي والمطاردة الفكرية، بل تمارس تجويعًا ممنهجًا بحق الكوادر التربوية، من خلال قطع رواتب المعلمين منذ سنوات، في محاولة لتركيعهم وإجبارهم على الخضوع الكامل لسلطتها. ورغم الوعود المتكررة، لم تصرف المليشيا سوى مبالغ رمزية على هيئة مساعدات موسمية، بينما تُخصص الموارد المستولى عليها لصالح آلة الحرب والدعاية الطائفية.
هذا الحرمان المتعمد من أبسط حقوقهم المعيشية يجعل المعلمين الحلقة الأضعف، لكنه أيضًا يكشف عن إدراك الجماعة لحجم تأثير هذه الشريحة، وسعيها المحموم لشلّها تمامًا.
ورغم تصاعد الانتهاكات الموثقة، تلتزم معظم المنظمات الدولية المعنية بالتعليم وحقوق الإنسان الصمت، الأمر الذي يمنح الحوثيين ضوءًا أخضر للاستمرار في جرائمهم. وقد حذرت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، إلى جانب عدد من الناشطين، من أن هذا الاستهداف الممنهج قد يؤدي إلى كارثة تربوية وإنسانية، تُفرغ البلاد من معلميها وكوادرها المؤهلة، وتترك جيلاً كاملاً عرضة للتجهيل والتجنيد الإجباري.
شخصيات تربوية ومجتمعية من إب وتعز طالبت بوقف هذه الحملات، والإفراج الفوري عن المختطفين، وضمان حق المعلمين في الأمن والتعبير والعيش الكريم. وشددت على ضرورة تحييد قطاع التعليم عن الصراعات، مؤكدة أن ما يجري ليس استهدافًا لأشخاص، بل لمستقبل وطن بأكمله.
وأصبح المعلمون في مناطق سيطرة الحوثي في خط المواجهة الأول مع واحدة من أشد أدوات القمع فتكًا: سلطة ترى في المعرفة تهديدًا، وفي الوعي خطرًا يجب محوه. وما بين الخطف والتجويع والتضليل، تُخاض معركة بقاء صامتة، ينتصر فيها من يصمد لأجل الحقيقة، ومن يُدرّس الأمل وسط الظلام، ولو كان مهددًا بالاعتقال في أي لحظة.