متحف الذاكرة في تعز.. صور تحكي وجع الحصار وصمود مدينة في وجه الموت

السياسية - منذ 7 ساعات و 13 دقيقة
تعز، نيوزيمن، خاص:

في مدينة أنهكها الحصار وحاولت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران تحويلها إلى سجن كبير، افتتح، السبت، في تعز جنوب غربي اليمن "متحف الذاكرة"، ليكون شاهدًا حيًا على عقد كامل من الحصار المفروض على سكانها من قبل هذه الجماعة التي تنتهج أساليب الإرهاب ضد المدنيين في المحافظة.

المعرض جرى تنظيمه من قبل منظمة سام للحقوق والحريات، ورابطة أمهات المختطفين، ومعهد دي تي، بالشراكة مع مكتب شؤون الحصار، وفرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف، ومكتب الثقافة فعالية "متحف الذاكرة"، ضمن أنشطة مشروع إسبارك بمدينة تعز. 

واستعرض متحف الذاكرة أكثر من 250 لوحة رسم ، و165 صورة فوتوغرافية، و20 مجسمًا فنيًا، بالإضافة إلى شاشة عرض، وركن خاص بالذاكرة، في إطار جهود حفظ الذاكرة الجماعية للضحايا، ورصد المأساة الإنسانية التي عاشتها المدينة خلال السنوات العشر الماضية.

وقال مسؤول التنسيق في مشروع "إسبارك" معاذ الفقيه، أن المشروع يسعى إلى دعم السلام في اليمن من خلال المساءلة والمصالحة وتبادل المعرفة (سبارك)، مشيرًا إلى تمكين منظمات المجتمع المدني من تطوير فهم أعمق لمفاهيم العدالة الانتقالية وتنفيذها وابتكار آليات جديدة، بما يسهم في تعزيز الحوار الوطني والدولي حول العدالة الانتقالية كمدخل رئيسي لتحقيق السلام المستدام في البلاد.

وأضاف أن المشروع يركز على تعزيز المشاركة المجتمعية والوعي المجتمعي، من خلال تنفيذ مبادرات فرعية في مجال العدالة التصالحية وحملات توعوية تستهدف الناجين والضحايا والمجتمع المحلي والأحزاب السياسية. 

صمود اسطوري

بين جدران المتحف تُعرض صور ومواد توثيقية تحكي وجع سنوات طويلة من القصف والقنص والألغام، وصمود المدنيين الذين تحدّوا الموت يومًا بعد آخر من أجل البقاء. مئات العشرات من الصور واللوحات الإنسانية التي وثقت مظاهر المعاناة اليومية التي عاشها السكان على مدى سنوات. 

أطفال حُرموا من مدارسهم، ونساء عبرن طرقًا وعرة لجلب المياه، ومرضى فقدوا حياتهم أمام أبواب المستشفيات بعد أن حالت قيود الحوثيين دون وصولهم إلى الدواء. هذه ليست مجرد لقطات فوتوغرافية، بل ذاكرة مرئية تختزن قصص مدينة محاصرة منذ آذار/ مارس 2015، يعيش فيها نحو 3 ملايين نسمة بلا غذاء كافٍ ولا دواء ولا خدمات أساسية.

عدد من النشطاء الذين زاروا المعرض اعتبر أن الصور "شهادة بصرية على أطول جريمة حصار في التاريخ المعاصر". ومشيرين إلى أن الحوثيين حولوا تعز إلى "سجن كبير لعقد كامل"، ومنعوا الغذاء والدواء عن ملايين المدنيين. المتحف جمع بين الفن والأدلة المادية والتوثيقات الحقوقية ليكون شاهدًا على "جريمة ما تزال تُرتكب كل يوم".

وقال عدد من المشاركين في المعرض  إن المتحف المصور يمثل"ذاكرة حية للمعاناة ولشجاعة أبناء المدينة"، موضحين أنه يضم صورًا ورسومًا تؤرخ الطريق الطويل للحرب والحصار، بما في ذلك انتشار الألغام والقنص، لتذكير الناس بأن الحصار لم ينته بعد. وأكدوا أن فتح معبر وحيد للمدينة لا يعني رفع الحصار، فتعز لا تزال مطوقة بالموت والألغام والقناصة.

معاناة لا تزال مستمرة

وقال الناشط والصحفي عبدالسلام القيسي، الذي حضر فعالية "متحف الذاكرة" في تعز، إن المتحف "لا يكتفي بتوثيق عشر سنوات من الحصار والمعاناة، بل يؤرخ أيضًا لبطولة هذه المدينة وصمودها الاستثنائي"، مضيفًا: "اليوم، وبين جدران القصر الذي كان مقرًا للطاغية أحمد حميد الدين، انتصبت ذاكرة تعز البطولية ضد أحفاد الإمام نفسه، وسيأتي يوم نحتفي فيه بذاكرة النصر من قلب صنعاء"، على حد قوله.

وأشار القيسي إلى موقف إنساني أثر فيه أثناء زيارته، حين التقى سيدة تدعى هناء الشرجبي تحدثت عن المبنى التاريخي الذي يحتضن المتحف، ورأت أنه "لم يكن رمزًا للتواضع كما يظن البعض، بل مظهرًا من مظاهر التخلف في زمنه"، مؤكدًا أن مثل هذه الشهادات تجسد وعي أبناء تعز العميق.

واعتبر القيسي أن متحف الذاكرة "ليس إطارًا يوثق زمناً مضى، بل تذكير حي بمعاناة ما تزال مستمرة"، داعيًا جميع أبناء المدينة لزيارته، ومشيدًا بجهود الناشط الحقوقي ماهر العبسي الذي أسهم بشكل فاعل في إبقاء ذاكرة الحصار والبطولات حية، وقال إن "المتحف يشبه لوحة جبل طالوق الذي كان المنفذ الوحيد لتعز في سنوات الحصار".

أوجاع لا تنسى 

المعرض أعاد التذكير بما يعانيه المواطنين من أوجاع بسبب الحصار الذي خلف أدى إلى وفاة أكثر من 10 آلاف شخص بسبب غياب الرعاية الطبية، ناهيك عن 31 مدرسة مغلقة وحرمان 32 ألف طالب وطالبة من التعليم، وفقدان المدينة 75% من احتياجاتها المائية. إضافة إلى تراجع المؤسسات والشركات من 100 قبل الحصار إلى 17 فقط. وتسجيل 573 حادثًا مروريًا على الطرق البديلة الخطرة أسفر عن 436 وفاة و1,049 إصابة. وتوثيق 1,860 حالة اختطاف من نقاط تفتيش حوثية.

ويشكل "متحف الذاكرة" تحذيرًا ضد أي محاولات للتطبيع مع الحوثيين، ورسالة مفادها أن الحصار ما يزال قائمًا وأن معاناة تعز مستمرة. فبحسب القيسي: "هذا المتحف للحاضر وليس للماضي، لأنه يذكّر الناس بأن المعاناة لم تنته بعد". كما أنه يبقى شاهدًا حيًا على أن تعز، رغم الحصار، لم تفقد ذاكرتها ولا قدرتها على الصمود، وأن محاولات طمس الحقيقة ستسقط أمام نور الذاكرة التي يحتفظ بها أبناؤها جيلًا بعد جيل.