مصطفى ناجي

مصطفى ناجي

تابعنى على

تعز على المحك.. استكمال تحرير المديريات خيار النجاة

منذ 4 ساعات و 23 دقيقة

مرةً أخرى، إذا سقطت مدينةُ تعز بيدِ الحوثي مجدَّدًا — وهذا أمر وارد — ومضى على حدوث ذلك أسبوعان إلى ثلاثة أسابيع، فلن تكون هناك قوة يمنية قادرة على إخراجه.

على الواهمين بوجود مخلّص أن يخلصوا من هذا الوهم.

والواهمون بأن تعز داخليًا محصنة من السقوط بيد الحوثي، أو الرهان على أن الناس تعرف الحوثي وخبرت وحشيته وإجرامه ولن تقبل به، عليهم أن يتحرّروا من هذا الوهم.

سنعود إلى إمكانية سقوط تعز مجدَّدًا بيد الحوثي؛ يراه بعضهم أمرًا غير متصوَّر.

والآن لماذا من أسبوعين إلى ثلاثة فقط: لأن الحوثي في هذه المدة سيطوّق ما سقط في يده بحزام من الألغام والمتفجرات وهذه مدة كافية لزرع أعداد مهولة منها لا ينفذ فيها جيش بري. 

من الناحية العسكرية البحتة، فإن خسارةَ مواقع أمرٌ وارد جدًا في عالم المعارك، سيما في المدن المحاصرة: فارق قوة، استغلال ثغراتٍ دفاعية، انتهاء القدرة العسكرية على الدفاع، تفوّق ناري أو تقني للطرف الذي يفرض الحصار، دخول سلاح أو تقنية جديدة يكسران معادلةَ التوازن، وبالطبع تفكك جبهة الدفاع وانهيار الوحدات من الداخل، سوء تقدير للوضع، فساد، وأحيانًا غباء القيادة، وغيرها من الأسباب التي لا تنتهي.

في تعز، من طرفِ الشرعية، كل هذه الأسباب يمكن أن تحصل وقد تحصل في حالة اختلال العلاقة بين وحدات الدفاع عن المدينة والحاضنة الشعبية؛ افتقار أفق سياسي قادر على التعبئة الشعبية الدائمة، اختلالات أمنية ومالية وفساد القيادات، إفراط في استخدام العنف تجاه المواطنين، تجاوزات وعدم احترام للقانون وللهرمية الإدارية، مظالم وعنف ممنهج.

عندما تمارس بعض وحدات الجيش والأمن ممارساتٍ غير نظامية وتعتدي على أملاكِ وحياةِ الناس، فإنّ هذه الأفعال القبيحة تطعن الركيزة الأخلاقية للمقاومة والدفاع عن مدينةٍ محاصرة.

ويزداد الأمر تعقيدًا إذا كانت القوى العسكرية أو الأمنية المهيمنة ذات نمطٍ سياسي أو جهوي واحد في حقيقتها وليس في ظاهرها. الإقصاء والتعصّب، والتشكّك من الناس، وإسناد الولاء على أساس غير الكفاءة، والرهاب المسيطر على عقول القيادات، وفساد المناخ السياسي والاجتماعي في ظلّ ارتهانٍ إقليمي حادٍ ومخزٍ — كلها عوارضُ انهيارٍ وخوفٍ وليست قوةً وتلاحمًا.

على مرّ التاريخ، المدن المحاصرة تنتهي إلى الاستسلام إذا لم تتحول إلى هجوم وإذا لم يتم فك حصارها من الخارج.

وتأمينُ تعز أو عودةُ الأمن إليها وعودةُ السياسة لا يتحقّق إلا إذا أصبحت القوات المرابطة للدفاع عن تعز تقف عند يريم.

لدي الكثير لأقوله حول هذه النقطة، وكيف أنّ علاج تعز لن يكون إلا باستكمال تحرير مديرياتها.

سقوطُ تعز يعني أشياءً كثيرة: أنها بوابة الجنوب والإمساكُ برقبة العالم في واحد من أهم الممرات المائية في باب المندب، وأنها كتلة بشرية تضع الحوثي في موقع قوةٍ أكبر أمام كل خصومه. 

سيضمّ الحوثي ثلاثة إلى أربعة ملايين مواطن إلى سيطرته ويحوّلهم إلى وقودٍ لمعاركه في اليمن وخارجه. هكذا يفعل مع أبناء القبائل في مناطق سيطرته؛ يفرض عليهم الحرب ويجعلهم طرفًا فيها.

وثالثًا: ما بعد جبهات التماس في جبال مدينة تعز عبارة عن قواتٍ متناثرةٍ لم تُخض حروبًا في تضاريس متعددة ومعقدة، ولم تُعَدّ للحروب الحضرية.

سيناريو إخراج الحوثي من المدينة غير قابل للتكرار، ناهيكم أن ثمنه باهظ جدًا جدًا. والأطراف التي قامت بتلك العملية الشجاعة والنادرة إما لم تعد موجودة وانتهت إلى الموت غيلةً أو قهرًا وكمداً، أو أنها تلطّخت بأوحال السياسة والحزبية والمال الخارجي والفساد والتسلط.

وكما يُقال: لا يشرب المرء من النهر مرتين؛ فإقامة تحالف ليخوض حربًا ضد الحوثي لا يتشكّل مرتين.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك