ابتزاز إنساني بنكهة سياسية.. الحوثيون يلوّحون بمعاناة اليمنيين بعد تجميد الدعم
السياسية - منذ 6 ساعات و 58 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:
في مشهد يعكس التناقض الحاد بين الأقوال والأفعال، تعالت اليوم أصوات قيادات جماعة الحوثي في صنعاء متباكية على ما وصفته بـ"الحرمان الصحي والجماعي" عقب إعلان منظمتي الصحة العالمية (WHO) ويونيسف (UNICEF) وقف برامجهما الصحية واللوجستية في معظم مناطق سيطرة الجماعة شمالي اليمن، نتيجة الانتهاكات المستمرة التي مارستها الميليشيا ضد وكالات الإغاثة والمنظمات الدولية العاملة هناك.
يأتي هذا التطور في وقتٍ تشهد فيه صنعاء ومدن أخرى تصعيدًا حوثيًا غير مسبوق ضد المنظمات الإنسانية، شمل اقتحام مقرات، ونهب تجهيزات، واعتقال موظفين محليين ودوليين، إلى جانب فرض قيود خانقة على تحركات فرق الإغاثة واتهامها بالتجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.
وقالت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان التابعة للحوثيين في بيان، إن قرار المنظمتين الأمميتين بوقف الدعم يشمل نحو ثلثي المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، ويهدد بإغلاق أكثر من 2000 وحدة صحية و72 مستشفى، إضافة إلى توقف إمدادات الوقود والأكسجين والأدوية، وتعليق برامج التغذية العلاجية التي يستفيد منها مئات الآلاف من النساء والأطفال.
ووصف البيان القرار بأنه "عقوبة جماعية تستهدف 80 في المئة من السكان"، دون الإشارة إلى الأسباب الحقيقية التي دفعت المنظمات الأممية إلى هذا الإجراء، والمتمثلة في الانتهاكات الحوثية المتكررة بحق العاملين في المجال الإنساني ومكاتبهم.
وكانت تقارير أممية سابقة قد حذرت من تعرض موظفين تابعين للأمم المتحدة للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في صنعاء والحديدة، فيما أكدت الأمم المتحدة في بياناتها المتكررة أن الحوثيين يحتجزون نحو 60 موظفًا يعملون في وكالات تابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية.
ويأتي "الصراخ الحوثي" بعد سلسلة اقتحامات نفذتها الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة ضد مقرات منظمات دولية، أخرها ACTED الفرنسية، والإغاثة الإسلامية، والعمل لمكافحة الجوع (ACF)، حيث قامت بمصادرة وثائق ومعدات وإغلاق مكاتب ومنع الموظفين من الدخول، وفقًا لتقارير ميدانية محلية.
كما تعرضت مكاتب الأمم المتحدة لعمليات مداهمة متكررة، شملت احتجاز موظفين ومصادرة بيانات حساسة، ما دفع المنظمة الدولية إلى إجلاء عدد من موظفيها الدوليين من صنعاء. هذه الانتهاكات، وفقاً لمصادر حقوقية يمنية، ليست سوى جزء من سياسة "الهيمنة الإنسانية" التي تمارسها الميليشيا، بهدف السيطرة على مسارات التمويل الدولي وتوجيه المساعدات وفقاً لأجندتها الخاصة.
ويقول مصدر عامل في منظمة إغاثية بصنعاء إن الميليشيات "تصرخ اليوم من قلة الدعم الذي كانت تعتبره بالأمس أداة تجسس أميركية وإسرائيلية". وأضاف أن الجماعة تختطف موظفين أمميين وتستعد لإخضاع بعضهم لمحاكمات صورية لإصدار أحكام جائرة بحقهم، بينما تدّعي حرصها على استمرار الخدمات الصحية والطبية المقدمة من المنظمات نفسها التي تتهمها بالخيانة.
وأشار المصدر إلى أن ما تمارسه الميليشيات من تضييق واقتحامات واعتقالات هو ابتزاز واضح للمنظمات الدولية بهدف السيطرة على أموال المساعدات والمانحين، وتحويلها إلى مشاريع تخدم مصالح الجماعة وأذرعها في مناطق سيطرتها.
هذا السلوك يعكس ازدواجية بنيوية في نهج الحوثيين، حيث تستخدم الجماعة الملف الإنساني كأداة سياسية واقتصادية؛ فهي من جهة تُهاجم المنظمات الأممية وتتهمها بالتجسس، ومن جهة أخرى تُحمّلها مسؤولية انهيار الخدمات الأساسية عندما تتوقف عن العمل، متجاهلة أن السبب الجوهري هو ممارساتها القمعية وتعنتها الميداني والإداري.
ويحذر عاملون في القطاع الصحي من أن قرار المنظمات الأممية سيؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة في مناطق الشمال، حيث يعتمد ملايين السكان على المساعدات الدوائية والغذائية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
ويشير تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إن نحو 17.8 مليون يمني بحاجة إلى دعم صحي عاجل، وأن أي تعطيل إضافي لأنشطة المنظمات الإغاثية سيؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل غير مسبوق.
وبينما تستمر الميليشيا الحوثية في تكميم أفواه العاملين في المجال الإنساني وفرض مزيد من القيود على أنشطة الإغاثة، يتكشف وجهها الحقيقي أمام العالم كجماعة تستخدم المعاناة الإنسانية ورقة للابتزاز السياسي. وبينما تصرخ الميليشيات احتجاجاً على وقف الدعم الأممي، تتجاهل أنها هي من أغلقت الأبواب أمام المنظمات، ودفعت آلاف المرضى والأطفال إلى مواجهة مصيرٍ قاسٍ في بلدٍ أنهكته الحرب والجوع والوباء.
>
