حملة “أكل التفاح” تفكك شبكة التضليل الحوثية على منصات التواصل
السياسية - منذ ساعة و 56 دقيقة
عدن، نيوزيمن، خاص:
أكد عدد من النشطاء اليمنيين أن الحملة الرقمية التي تقودها منصة "واعي" ضد الحسابات والصفحات التابعة لميليشيا الحوثي الإرهابية، تمثل تحولًا نوعيًا في موازين الصراع الإعلامي، بعدما كشفت زيف الادعاءات الحوثية بشأن قدراتهم السيبرانية المزعومة، والتي لطالما روّجت لقدرتها على "اختراق الأنظمة العالمية"، بينما عجزت عن حماية أدواتها الإعلامية من الإغلاق المتتابع على مواقع التواصل.
وأوضح النشطاء أن ما تقوم به منصة "واعي" من حذف لصفحات وحسابات قيادات ونشطاء حوثيين على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك وإكس، فضح آلة التضليل التي استخدمتها الجماعة على مدى سنوات لنشر الأكاذيب وبث الكراهية، مشيرين إلى أن المعركة الرقمية التي تخوضها المنصة تمثل شكلاً جديدًا من أشكال المقاومة الوطنية، عنوانها "الوعي في مواجهة الزيف".
وأضافوا أن هذه الحملة تؤكد أن زمن الكذب الحوثي قد انتهى، وأن أدوات التضليل التي اعتمدت عليها الميليشيا بدأت تتهاوى تباعًا، تمامًا كما تتهاوى أوهام الجماعة على أرض الواقع.
حملة منظمة كشفت حجم التضليل
انطلقت حملة "أكل التفاح" في الثاني والعشرين من أكتوبر الماضي كأحد أبرز التحركات الرقمية المنظمة في اليمن، بمشاركة مجموعة واسعة من النشطاء والصحفيين والباحثين ضمن إطار عمل منصة "واعي"، التي تُعد اليوم منبرًا وطنيًا لمكافحة التضليل وخطاب الكراهية في الفضاء الإلكتروني.
وجاءت هذه الحملة استجابةً لحالة التمدد الإعلامي الواسع لميليشيا الحوثي على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي استخدمتها الجماعة كأداةٍ رئيسية في الحرب النفسية والإعلامية لتزييف الوعي العام ونشر سرديات دعائية مضللة تستهدف الداخل اليمني والمجتمع الدولي على حد سواء.
واستهدفت الحملة مئات الحسابات التي تنشر محتوىً محرضًا على العنف والطائفية، وتروّج للأفكار المتطرفة المعادية لقيم التعايش والسلم الاجتماعي. وشملت عمليات الرصد والمتابعة حسابات تعود إلى قيادات بارزة في الجماعة، وصفحات تابعة لوسائل إعلامها الرسمية والأمنية، وأخرى وهمية أنشأها الذباب الإلكتروني الحوثي لتضليل المتابعين والتأثير على الرأي العام.
وخلال سنوات الحرب، اعتمدت الجماعة على جيشٍ رقمي ضخم يُدار بإشراف مباشر من دائرة التوجيه المعنوي وجهاز الأمن والمخابرات الحوثي، هدفه اختراق الوعي الشعبي عبر حملات موجهة وممولة تروج لمزاعم الجماعة وتشوّه خصومها السياسيين والعسكريين.
وبحسب تقديرات إعلامية وتقارير رقمية مستقلة، فقد تمكنت الحملة، خلال أسابيعها الأولى، من إغلاق أكثر من 70 حسابًا وصفحة رقمية تابعة للميليشيا، كان أبرزها حسابات قيادات نافذة في الصف الأول للجماعة، بينهم عضو ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" سلطان السامعي الذي تم إغلاق أربعة حسابات تابعة له، إلى جانب صفحات أجهزة أمنية ومخابراتية حوثية، ومكتب رئاسة المشاط، وحسابات كل من محمد أحمد مفتاح القائم بأعمال رئاسة حكومة صنعاء، ونصر الدين عامر، ويحيى سريع، وعصام يحيى المتوكل، ومحمد الجرموزي، وعبدالسلام جحاف، ومحمد العماد، وغيرهم من رموز الخطاب التحريضي والإعلام الدعائي للجماعة.
وتشير البيانات التي نشرتها منصة "واعي" إلى أن هذه الحسابات كانت تمتلك جمهورًا يتجاوز ثلاثة ملايين متابع على مختلف المنصات، منها أكثر من 90% على فيسبوك وحده، ما يجعل الحملة واحدة من أوسع العمليات الرقمية تأثيرًا في المشهد الإعلامي اليمني خلال السنوات الأخيرة.

"درس قاسٍ" لجماعة الحوثي
وقد لاقت هذه الخطوة إشادة واسعة من قبل الناشطين والإعلاميين اليمنيين، الذين اعتبروها نموذجًا وطنيًا لمقاومة التضليل المنظم، مؤكدين أن نجاح "واعي" في إسقاط هذا الكم من الحسابات يعكس وعيًا متناميًا لدى اليمنيين بأهمية الدفاع عن فضائهم الرقمي، وتجفيف منابع خطاب التطرف والكراهية.
كما رأى مراقبون أن حملة "أكل التفاح" تمثل تحولًا نوعيًا في الوعي الجمعي اليمني تجاه إدارة المعركة الإعلامية، إذ لم تعد المواجهة مقتصرة على الأرض، بل امتدت إلى فضاءٍ رقميٍ بات مسرحًا رئيسيًا للحرب الدعائية التي تخوضها الميليشيا، ما يجعل من هذه التجربة درسًا مهمًا في كيفية تحويل الإعلام إلى سلاحٍ ناعمٍ في مواجهة العنف والتطرف.
الناشط هائل الفقيه وصف حملة منصة "واعي" بأنها واحدة من أكثر أشكال المقاومة الوطنية فاعلية بعد المعركة الميدانية ضد المشروع الإمامي، موضحاً أن المنصة "أغلقت أبواب الخرافة الحوثية، ووضعت حداً لسنوات من الفوضى الفكرية والتضليل".
وأضاف أن "واعي" لقنت أذرع المليشيا درساً قاسياً، وأعادت الاعتبار للمحتوى الهادف في مواجهة الخطاب التحريضي والمضلل، مشيراً إلى أن صراخ الحوثيين ضد المنصة "أصبح شهادةً على نجاحها وتأثيرها في تغيير مشهد النشر اليومي".
أما الإعلامي عادل القدسي فاعتبر أن ما أنجزته المنصة يشكل "كش ملك رقمية" لجماعة الحوثي، بعد أن تمكنت من تعطيل أدواتها الرقمية الأكثر تأثيراً. وقال القدسي إن منصة "واعي" تمثل مبادرة رقمية يمنية مستقلة تعمل على رفع الوعي المجتمعي ومحاربة الخطاب الطائفي والعنصري والتحريضي. وأشار إلى أن حملات الإغلاق الأخيرة أسهمت في تجفيف منابع المحتوى المتطرف وصعّبت على الجماعة استخدام الفضاء الرقمي لخدمة أجنداتها.
وأكد أن هذه التجربة تعزز أهمية المبادرات المدنية في مواجهة الإرهاب الإلكتروني وتحصين الوعي العام ضد التضليل.
وعي في زمن الكراهية
الناشط رضوان الصباري عبّر عن تقديره للحملة بقوله: "في زمنٍ امتلأ بالكذب والتحريض، تبرز منصة واعي كدرعٍ وطنيٍّ يواجه جيوش التضليل الحوثي على مواقع التواصل، وتحذف عشرات الصفحات المحرضة على العنف والكراهية ضد اليمنيين".
ويرى الصباري أن نجاح المنصة في إسقاط عشرات الحسابات الحوثية لا يقتصر على الجانب التقني، بل يتعداه إلى البعد الرمزي في إعادة الاعتبار لقوة الكلمة الحرة، مضيفًا أن "واعي أثبتت أن الوعي أقوى من الكراهية، وأن الكلمة الحرة سلاح لا يُكسر".
كما أشاد بفريق العمل في المنصة الذي وصفه بأنه "اختار طريق الحقيقة وسلاح الوعي في زمن الزيف"، مؤكدًا أن هذا الجهد يعيد الثقة بقدرة المبادرات الوطنية المستقلة على مواجهة أخطر أدوات الميليشيا وهي الحرب الإعلامية.
لكن في مقابل هذا الإشادة، قدّم الناشط يحيى الثلايا قراءة نقدية أكثر عمقًا للمشهد، معتبرًا أن المعركة ضد الفكر الحوثي لا يمكن أن تُحسم فقط على الإنترنت. وأوضح أن مواجهة الفكر الطائفي في الفضاء الإلكتروني مهمة وضرورية لأنها تكشف خطاب الكراهية وتحمي وعي الجمهور، لكنها "ليست بديلاً عن المعركة الحقيقية على الأرض، حيث تترك الميليشيا آثارها المادية والإنسانية في حياة الناس".
وأشار الثلايا إلى أن إغلاق الحسابات الحوثية لا يجب أن يعني طمس محتواها بالكامل، إذ إن ما تنشره تلك الحسابات يمثل "وثائق حية لذهنية الكراهية والطائفية التي تتبناها الجماعة"، مؤكدًا على أهمية توثيق هذا المحتوى ودراسته كجزء من الوعي الجمعي بخطر المشروع الإمامي.
دعوة لتوسيع دائرة المواجهة
شدد الإعلامي عبدالسلام المساجدي على نقطةٍ مركزية في أي حملة رقمية مجتمعية ناجحة: لا يكفي مجرد إقفال حسابات الخصم، بل يجب أن تُدار هذه الجهود بروح الحياد والعدالة كي تحظى بثقة الجمهور وتستمر في الأداء الفعّال. ومن هذا المنطلق دعا المساجدي منصة "واعي" إلى توسيع نطاق حملتها ليشمل جميع الحسابات المتطرفة بكل توجهاتها — سواء كانت متعاطفة مع المشروع الإمامي أو طرفًا آخر يستثمر الدين أو الأيديولوجيا للتجييش والتحريض — لأن مواجهة خطاب الكراهية لا تُقاس بعدد الحسابات المغلقة فحسب، بل بمدى انسجام المعايير المتّبعة وتطبيقها على الجميع على قدم المساواة.
ويُشير المساجدي في تحليله إلى أن الحياد المنهجي هنا عاملُ قوةٍ لا ضعف؛ فالمبادرة التي تُطبّق معايير واضحة وشفافة تقطع الطريق أمام اتهامات الانتقائية أو الاستغلال السياسي، وتحوّل "واعي" من مجرد أداة إغاثة إعلامية إلى مرجعية وطنية في مساءلة الخطاب. ولذلك طالب بأن تُعلن المنصة عن قواعد واضحة للإبلاغ والمعالجة، وآليات فنية وقانونية تتبعها عند التبليغ عن الحسابات، مع نشر تقارير دورية عن نتائج الحملة وأساليبها، بما يعزز مصداقيتها أمام الجمهور المحلي والدولي.
كما دعا المساجدي إلى أن تتبع الحملة نهجًا متعدد المستويات: إلى جانب إغلاق الحسابات التحريضية، ينبغي العمل على التثقيف الرقمي وبناء قدرات المجتمع لتمييز المعلومات المضللة، ودعم محتوى بديل ووطني يُجيش الوعي الإيجابي. ويُعتبر هذا التوازن بين الإجراء العقابي (إغلاق الحسابات) والإجراء البنّاء (التوعية والإنتاج الإعلامي الجيد) مفتاحًا لاستدامة التأثير، لأن الفراغ الرقمي قد يملأه آخرون إن لم يُعَوّض بمحتوى موثوق وجاذب.
من جهة أخرى، حث المساجدي على توسيع التحالفات بحيث لا تقتصر الحملة على مبادرة منفردة، بل تضم منظمات مجتمع مدني، صحفيين، مؤسسات أكاديمية، ومنصات تقنية، وربما تنسق أيضاً مع شركات التواصل الاجتماعي والمنظمات الدولية المختصة لمتابعة الانتهاكات التقنية والقانونية. هذا التعاون سيُسهِم في رفع الكفاءة الفنية للحملة، وتمكينها من التعامل مع أساليب التمويه والتشبيك (شبكات الحسابات الوهمية والذكاء الاصطناعي في توليد المحتوى) التي تعتمدها بعض الأطراف.
حرب الوعي مستمرة
وتُظهر المعطيات الأخيرة أن حملة "أكل التفاح" لم تكن سوى الفصل الأول في معركة طويلة عنوانها "استعادة الفضاء الرقمي اليمني من قبضة التضليل الحوثي". فالحرب لم تعد محصورة في جبهات القتال، بل انتقلت إلى فضاءات الإنترنت حيث تدور معارك الوعي والمعلومة، وتُحسم المواقف قبل أن تُطلق الرصاصة الأولى.
من خلال الجهود المتواصلة التي تقودها منصة "واعي"، والتي جمعت بين النشاط الإعلامي والمجتمعي والتقني، بدأ اليمنيون يستعيدون ثقتهم بمصادرهم الوطنية ويكسرون احتكار الجماعة للرواية الرقمية. لقد ساهمت الحملة في تعزيز ثقافة التحقق والمساءلة، ودفعت الكثير من المستخدمين إلى مراجعة ما يتداولونه من أخبار وصور وشعارات تُستخدم في حرب نفسية تستهدف وعيهم وهويتهم.
ومع أن الحوثيين فقدوا عشرات الحسابات والمنصات التي كانت تُستخدم لتوجيه الرأي العام، إلا أن حرب الوعي لم تنتهِ بعد، فالجماعة لا تزال تمتلك ترسانة إعلامية رقمية واسعة، وتستثمر في إنتاج محتوى مضلل عبر شبكات بديلة وأسماء وهمية.
لذلك، يرى المراقبون أن ما أنجزته حملة "أكل التفاح" هو إطلاق موجة وطنية لمقاومة التضليل يجب أن تتوسع لتشمل مختلف القوى المجتمعية والإعلامية والمدنية، بحيث تتحول من مبادرة إلكترونية إلى حركة وعي شاملة تعيد صياغة الخطاب الوطني على أسس عقلانية ومواطنة.
>
