الوسيط الوازن.. دراسة: القاهرة تستعيد ثقلها السياسي وتعيد رسم خرائط الأمن العربي

السياسية - منذ ساعة و 54 دقيقة
عدن، نيوزيمن، خاص:

كشفت دراسة بحثية عن تحولات عميقة في المشهد الإقليمي عقب مؤتمر القاهرة الذي مثل محطة مفصلية أسهمت في إعادة مصر إلى دائرة التأثير الدولي ودبلوماسية "الوسيط الوازن".

وأكدت الدراسة الصادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للدراسات والإعلام تحت عنوان "الزعامة المصرية في زمن الفوضى الإقليمية مؤتمر القاهرة نموذجًا لدبلوماسية الوسيط الوازن" أن القاهرة استعادت من خلال هذا المؤتمر مكانتها كطرف يمتلك القدرة على جمع المختلفين وصياغة التوافقات في واحدة من أكثر مراحل الشرق الأوسط اضطرابًا.

وأشارت الدراسة التي أعدتها الباحثة شورى فاضل، إلى أن مؤتمر القاهرة الأخير لم يكن مجرد فعالية سياسية، بل شكّل عملية إعادة تموضع حقيقية للدبلوماسية المصرية، باعتبارها الطرف الأكثر قدرة على التعامل مع خارطة النزاعات والتحالفات في المنطقة. وتؤكد أن القاهرة استطاعت أن تثبت نفسها كقوة إقليمية تمتلك شبكة علاقات واسعة مع القوى العربية والغربية، وكرست خلال المؤتمر صورة "الوسيط الذي لا يمكن تجاوزه".

وترى الباحثة شورى فاضل أن المؤتمر أعاد بناء ثقة المجتمع الدولي بالدور المصري، من خلال قدرتها على جمع قادة العالم حول طاولة واحدة في لحظة حرجة، ما يؤشر إلى استعداد دولي لإعادة الاستثمار في الدور المصري بوصفه أكثر الأطراف توازنًا وقدرة على إدارة الملفات المعقدة.

وتحلّل الدراسة السياق الإقليمي الذي سبق المؤتمر، مشيرة إلى أن الشرق الأوسط يعيش اليوم موجة غير مسبوقة من التهديدات المتشابكة: صراع النفوذ الإيراني – العربي، توسع الميليشيات العنيفة، تفاقم الهجرة عبر البحر،اضطراب الأمن البحري في البحر الأحمر والمتوسط، وتدهور الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل.

في ظل هذه الفوضى، تبرز مصر– بحسب الدراسة– باعتبارها مركز توازن ضروري لاحتواء التحديات التي تهدد الأمن العربي والدولي، خصوصًا ما يتعلق بحماية الملاحة البحرية واحتواء تمدد الجماعات المسلحة والميليشيات العابرة للحدود.

تؤكد الدراسة البحثية أنّ المنطقة تشهد اليوم موجة غير مسبوقة من التهديدات العابرة للحدود؛ أبرزها تصاعد صراع النفوذ بين إيران والدول العربية بما يحمله من تداعيات على الأمن الإقليمي، بالتوازي مع توسع الميليشيات العنيفة التي باتت تمتلك نفوذاً يتجاوز الجغرافيا التقليدية للدول، وتؤثر مباشرة في استقرار الإقليم من اليمن والعراق إلى سوريا ولبنان.

كما تتوقف الورقة أمام تفاقم الهجرة غير النظامية عبر البحرين الأحمر والمتوسط، وسط انهيار مؤسسات الدولة في عدة مناطق، إضافة إلى اضطراب الأمن البحري سواء في البحر الأحمر نتيجة الهجمات على الملاحة، أو في المتوسط المتأثر بالفراغ الأمني الناتج عن النزاعات الإقليمية.

وفي الوقت نفسه، تزداد خطورة الوضع جنوباً مع تدهور الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي حيث تتقاطع أنشطة الجماعات المتطرفة مع التنافس الدولي، ما يجعل تأثيراتها تمتد نحو دول الجوار العربي، خاصة مصر التي تربطها بالمجال الحيوي للساحل روابط أمنية وجغرافية مباشرة.

وأشارت الباحثة شورى فاضل إلى أن هذه الفوضى الإقليمية المتسارعة، وما تشكّله من تهديدات استراتيجية، دفعت المجتمع الدولي والقوى الإقليمية إلى إعادة النظر في دور مصر بوصفها الطرف القادر على إعادة هندسة استقرار المنطقة، مستفيدة من موقعها الجغرافي ووزنها السياسي وصلابة مؤسساتها الأمنية والدبلوماسية، الأمر الذي يجعل حضورها اليوم ضرورة إقليمية وليس خياراً سياسياً فحسب.

وتوضح الدراسة أن إحدى أهم نتائج المؤتمر كانت إعادة ضبط مسارات التعاون العربي – الغربي، خصوصًا في ملفات الأمن البحري والطاقة ومكافحة الإرهاب. وتلفت إلى وجود إدراك دولي متنامٍ بأن استقرار المنطقة لن يتحقق دون وجود دور مصري ريادي يقوم على دبلوماسية الحوار وتوازن العلاقات.

وبحسب التحليل، أصبح المؤتمر نقطة التقاء للمصالح الدولية، حيث اتفقت الدول المشاركة على رؤية واحدة مفادها: "لا استقرار في الإقليم بدون القاهرة".

وأوصت الدراسة بضرورة تعزيز المسار الدبلوماسي الذي دشّنه مؤتمر القاهرة، وتشمل إطلاق دبلوماسية “الوسيط النشط” التي لا تكتفي بإدارة الحوار بل تشارك في صياغة الحلول، وتوسيع آليات الأمن العربي المشترك لمواجهة التهديدات البحرية والإرهابية، وتعزيز الشراكة العربية–الأوروبية في مجالات الطاقة والهجرة والأمن الغذائي، وتفعيل دور مصر في المعادلة اليمنية والقرن الإفريقي لوقف تمدد الفوضى وتأمين باب المندب.

وتؤكد الدراسة أن مؤتمر القاهرة ليس مجرد حدث دبلوماسي، بل يمثل بداية مرحلة جديدة في دور مصر الإقليمي، وعودة قوية لدبلوماسيتها القائمة على تحقيق التوازن وصناعة التوافقات، في وقت تتجه فيه المنطقة نحو منعطف تاريخي يتطلب وجود وسيط قوي وصاحب ثقل سياسي.