سمير رشاد اليوسفي

سمير رشاد اليوسفي

تابعنى على

عملة ما تعملش حاجة!

Tuesday 15 July 2025 الساعة 08:59 pm

في مشهدٍ يبدو مقتبسًا من مسلسل هزلي كتبه مؤلف مختلّ يعاني من فائض في الغباء وعجز مزمن في الفهم، أعلن البنك المركزي في صنعاء – أو ما تبقّى منه – عن إصدار جديد لفئة 200 ريال.

لا لأن الاقتصاد تعافى، ولا لأن الرواتب عادت، بل لأن الورقة القديمة… “تعبانة”.

هكذا، بكل بساطة: يطبع الحوثي ورقة، يفرح المواطن، ثم يكتشف أنها مثل بيانات الأمم المتحدة: مبهرة في النبرة، فارغة في المضمون.

البنك في صنعاء يطمئننا: “لا نضخ نقدًا جديدًا، فقط نستبدل التالف.”

تمامًا كما يستبدل أحدهم نكتة سخيفة بأخرى مملة. اختلاف التغليف فقط، لا القيمة.

وكأنك تغيّر فرامل سيارة في طريق مقطوع… بينما السيارة أصلًا بلا وقود.

في عدن، خرج البنك المركزي – المعترف به كونيًا – ليعلن: “ما حدث تصعيد خطير”.

تصعيد؟ الحوثي يهدد بالطبع منذ سنوات، وأنتم لا تطبعون إلا بيانات شجب.

الشرعية تمارس الاقتصاد كما تمارس السياسة: من بعيد، وبصوتٍ مرتعش.

تحذّر كما تحذّر امرأة عجوز من لص، وهي تفتح له الباب وتدعوه للدخول!

أما الاتحاد الأوروبي، فدخل المشهد كمدير مدرسة متأخر على الطابور الصباحي، وقال بحزم:

“البنك المركزي في عدن هو الجهة الشرعية الوحيدة لإصدار العملة.”

عظيم. لكن بنك عدن لا يُصدِر، وبنك صنعاء لا ينتظر، والمواطن… يُسحق بينهما مثل العملة ذاتها.

ولمن يظن أن الطباعة اختراع يمني خالص، فليطمئن: لسنا الأوائل، ولسنا وحدنا في هذا الجنون.

العراق جرّبها خلال الحصار، حتى صار الدينار أغلى في الطباعة منه في السوق.

زيمبابوي طبعت حتى وصلت إلى ورقة بقيمة 100 تريليون، والمواطن كان مليونيرًا في الصباح ومُفلسًا بعد الظهر.

فنزويلا لحقت بهم، فصار البوليفار يصلح فقط لتغليف السندويشات.

لبنان طبع… فانطبع معه المواطن تحت أحذية الغلاء، وسعر الليرة على جدار الانهيار.

الجميع طبع، فابتلعهم التضخم كما تبتلع حفرة صرف صحي سيارة في أحد شوارع تعز.

أما الورقة الحوثية الجديدة، فقيمتها الاقتصادية تشبه وعدًا حكوميًا بتحسُّن الخدمات:

صفر مضروب في أمنيات وطنية.

لا غطاء نقديًا، لا اعتراف خارجي، لا إمكانية لتحويلها إلى دولار.

ورقة صالحة فقط داخل حدود “جمهورية الطباعة الذاتية”.

التاجر سيجمعها كما يجمع بطاقات يانصيب خاسرة… ذكرى لا أكثر، لا قيمة لها ولا ربح.

اليمن اليوم ليست فقط منقسمة سياسيًا، بل منقسمة ماليًا:

• في الشمال: عملة من ورق ثقيل وأحلام أثقل، لا يعترف بها أحد.

• في الجنوب: عملة معترف بها دوليًا، لا أحد يملكها أصلًا.

كل منطقة تعيش على ورقة، وكل ورقة تعيش على الكذب.

في اليمن، لا تسأل عن الناتج المحلي، بل اسأل عن ماركة الطابعة.

ولا تبحث عن الاستقرار الاقتصادي، بل عن شكل الورقة الجديدة وختم “الإصدار الثاني”.

وفي النهاية، سيُكتب على شاهد قبر المواطن:

“مات من الجوع، ولفّوه بعشرة ملايين ريال… فئة 200، الإصدار الثاني.”

من صفحة الكاتب على منصة إكس