تمثال "أميرة سبأ" في مزاد فيينا.. ذاكرة اليمن المنهوبة تُباع في العلن

السياسية - منذ 3 ساعات و 53 دقيقة
عدن، نيوزيمن:

في مشهد يعكس حجم المأساة التي تعيشها الهوية الحضارية اليمنية المنهوبة، كشف الباحث المتخصص في شؤون الآثار اليمنية عبدالله محسن، عن عرض تمثال نادر لرأس أميرة من سبأ ضمن مزاد تنظمه جاليري "زاكي" في العاصمة النمساوية فيينا في 21 نوفمبر 2025، ضمن مجموعة تُعد من أثمن مقتنيات اليمن القديم.

ويأتي هذا المزاد في وقتٍ تتزايد فيه عمليات تهريب وبيع الآثار اليمنية في الأسواق الدولية، مستغلة حالة الحرب والفوضى التي تعصف بالبلاد منذ نحو عقد من الزمن، في حين تظل السلطات اليمنية عاجزة عن استعادة إرثها المنهوب، رغم المناشدات المتكررة للمجتمع الدولي بوقف هذه الانتهاكات الثقافية الجسيمة.

وبحسب ما نشره الباحث عبدالله محسن على صفحته في "فيسبوك"، فإن ثلاثة من أجمل آثار اليمن ستُعرض للبيع في مزاد "الآثار الجميلة والفنون القديمة" الذي تنظمه جاليري "زاكي" في فيينا.

وأوضح أن القطع المعروضة تنتمي إلى مصادر مرموقة ومجموعات تاريخية مثل متحف موجان للفنون الكلاسيكية في الريفييرا الفرنسية، ومتحف زيلنيك استفان للذهب في جنوب شرق آسيا، إضافة إلى مقتنيات لتجار تحف مشهورين في أوروبا والولايات المتحدة.

ومن بين هذه القطع، رأس منحوت لامرأة من المرمر يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، يُرجح أنه يمثل أميرة من مملكة سبأ. يتميز التمثال بأنف مستقيم وشفتين بارزتين وذقن مدبب، وعينين لوزيتين كبيرتين، ما يعكس الأسلوب الفني المتقن لحضارات جنوب الجزيرة العربية القديمة. يبلغ ارتفاع التمثال 18.5 سم ويزن 4 كيلوجرامات.

ويصف كتالوج المزاد هذه القطعة بأنها كانت تُثبت على لوحة من الحجر الجيري المنقوش، موجهة لمواجهة المشاهد مباشرة، حيث كانت تُستخدم في طقوس جنائزية أو تُنصب كـ شواهد قبور لأفراد من الطبقة الملكية أو النخبة الاجتماعية في ممالك اليمن القديم، مثل سبأ وقطبان وحضرموت.

وفقًا لوثائق المزاد، فإن ملكية هذه القطعة تعود إلى جوزيف أوزان، صاحب معرض "ساماركاند" في باريس، الذي قال إنها مقتناة من مجموعة سويسرية خاصة، مع إقرار خطي بأن القطعة كانت ضمن مقتنيات والده قبل عام 1971م.

ويشير الباحث عبدالله محسن إلى أن هذه الادعاءات تتكرر في معظم المزادات الأوروبية لتبرير بيع الآثار القادمة من مناطق النزاعات، عبر ثغرات قانونية تتيح للمزادات التلاعب بتاريخ الملكية لتفادي الملاحقة القانونية.

ويؤكد محسن أن مثل هذه المزادات لا تراعي القيم الأخلاقية ولا الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية اليونسكو لعام 1970 الخاصة بمنع الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، مشددًا على أن استمرار بيع الآثار اليمنية بهذه الطريقة يُعد جريمة نهب علني لتراثٍ إنساني لا يقدّر بثمن.

في تعليق لأحد خبراء المزاد، جرى تذكير المشترين بأن مملكة سبأ كانت مركزًا رئيسيًا لتجارة اللبان والمر والبخور، تسيطر على طرق القوافل الممتدة من مأرب إلى البحر الأحمر، ما جعلها واحدة من أكثر الممالك ازدهارًا في العالم القديم. وأشار إلى أن فن سبأ الجنائزي يعكس تأثرًا بالعصور الهلنستية والرومانية، لكنه يحتفظ بخصوصيته الجمالية التي تمجد المرأة كرمز للخصب والحياة والسلطة.

إلا أن هذا الوصف الفني، بحسب مراقبين، لا يخفي التناقض الأخلاقي في تسويق القطع اليمنية المنهوبة باعتبارها "قطعًا فنية نادرة"، بينما هي في حقيقتها شواهد قبور وأجزاء من ذاكرة أمة فقدت سيادتها الثقافية.

ومنذ اندلاع الحرب الحوثية 2014، فقد اليمن آلاف القطع الأثرية التي نُهبت من المتاحف والمواقع الأثرية، وتم تهريبها إلى الخارج عبر شبكات منظمة. وتشير تقارير اليونسكو ومنظمات دولية إلى أن السوق السوداء للآثار اليمنية تشهد نشاطًا متزايدًا في أوروبا والولايات المتحدة.

ورغم الجهود المحدودة التي تبذلها الحكومة اليمنية لاستعادة بعض القطع، إلا أن غياب التنسيق الدولي الفاعل وتعقيدات إثبات الملكية القانونية، جعلت معظم القطع تباع بشكل علني في المزادات العالمية دون محاسبة تُذكر.