"الإخوان" يواجهون زخم السلام بتحشيد جديد للحرب في السودان
العالم - Monday 03 November 2025 الساعة 08:24 pm
  الخرطوم، نيوزيمن: 
                        في خضمّ النزاع السوداني المستمر منذ أبريل 2023، تُجدد جماعة الإخوان المسلمين دورها كمحرّك للحرب، من خلال دعوات متزايدة لحشد المواجهة تحت غطاء "إحلال السلام". فبينما تتجلّى في الأفق مبادرات دولية وإنسانية لوقف النار، تبدو قيادات التنظيم حريصة على إبقاء فتيل الصراع مشتعلاً، في استثمار ممنهج للخلافات الميدانية والسياسية.
بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عكست الأيام التالية تصعيدًا في دعوات التحشيد الشعبي التي تقودها قيادات إخوانية. وعلى الرغم من تسجيل ضعف في التفاعل الشعبي في بعض الأماكن، إلا أن تغطيات إعلامية للتنظيم أظهرت نشاطًا مركزًا بين الشباب والأحياء الريفية في ولايات الشمال ونهر النيل، إضافة إلى تسجيلات لقيادات مثل علي كرتي تُشجّع على تحرير السودان بالقوة.
في تسجيل مصوّر نُشر الأحد، تعهّد طلحة قائد كتيبة البراء – التابع للتنظيم – بمواصلة القتال حتى تحرير كل السودان، مستحضراً شعارات دينية استخدمت في الحروب الإخوانية السابقة بالعهد البائد. المراقبون يرون في هذا الخطاب محاولة منه لإضفاء مشروعية دينية على الصراع، وتأجيج عاطفة عدد من القواعد الشعبية.
المحلل السياسي صلاح شعيب يرى أن رسائل كرتي تحتوي "عبارات جوفاء تُحرّض مجموعات بسيطة على القتال". ويفيد أيضًا بأن التنظيم يعتمد على انتهاكات موضعية في محيط الفاشر للضغط على قيادات الجيش ودفعها إلى رفض الهدنة أو التفاوض — بحيث يبقى التنظيم "فاعلاً" في الحلبة الحربية ولا يُهمّش من المشهد إن توقّفت الحرب.
على الجهة الدولية، كثّف مسعد بولس – كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والإفريقية – جهوده من خلال اتصالات مستمرة مع الأطراف السودانية، داعيًا إلى تنفيذ فوري لخطة المجموعة الرباعية التي طرحت هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر.
لقد شهد الاجتماع الرباعي مؤخرًا تأسيس لجنة مشتركة للتنسيق بشأن تنفيذ الهدنة، وضغط على الأطراف المضطربة للاستجابة بسرعة. الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) طرحت خارطة طريق تتضمن وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار، يليه وقف دائم ومن ثم انتقال مدني خلال تسعة أشهر. كما شدّدت على أن مستقبل السودان لا يجب أن يُحدده تنظيمات متطرفة مثل الإخوان، وأن أي دور لها في الحكم مرفوض.
إلا أن رفض الإسلاميين لهذه الخطة كان سريعًا ومباشرًا، إذ وصف تحالف إسلامي برئاسة علي كرتي المبادرة بأنها تدخل سافر في الشؤون السودانية، وقال إنها تُقصي الإخوان وتضعهم خارج المشهد السياسي. وفي تقارير تحليلية، يُعتبر هذا الرفض محاولة لعرقلة أي حل سياسي قد يضع حدًّا لدورهم العسكري أو السياسي.
بينما يواصل الإخوان استنفارهم، تنامت دعوات محلية للسلام بجهود مدنية من خلال مبادرات مثل "أنقذوا السودان"، الذي لاقى قبولًا واسعًا بعد أن انتشرت عبر وسائل التواصل، مطالبًا بوقف الحرب فوراً مع التركيز على الهدنة الإنسانية كمدخل للتسوية. نصّت المبادرة على أن السودان لم يجنِ من النزاع سوى الخراب، وأن استمرار القتل بات عبئًا لا يُحتمل على المدنيين.
وقد ربطت الكاتبة صباح الحسن بين هذه المبادرات والنجاح في إضعاف الدعوات الحربية: فكلما ارتفع صوت السلام داخليًا، تقترب المشروعية الاجتماعية لدعوات "الحرب باسم الدين" من التآكُل، لا سيما مع إشارات واشنطن إلى "خيارات بديلة" إذا رفض الطرفان الالتزام.
التوازن في خريطة القوى السودانية يبدو هشًا. فبينما يضغط الإخوان للحفاظ على دورهم عبر الاستمرار في القتال، توجد رغبة متزايدة في الطبقات المدنية والسياسية لتسوية الأزمة قبل أن تغرق البلاد في أتون أطول.
في هذا السياق، ترى بعض التحليلات أن التخطيط الرباعي لا يطالب فقط بوقف الحرب، بل بسحب الإخوان من التأثير عبر استبعادهم من السلطة، وهو ما يثير حفيظة التنظيم المعادٍ لأي تهميش.
وفي مقابل ذلك، قد يقبل التنظيم مبدئيًا بالتهدئة بشرط أن يُفسح له هامش يتحكم فيه بصيغة المشاركة السياسية اللاحقة، أو أن يُخزّن موقعه كمظلّة أيديولوجية مستعدة للعودة عبر عمق الجهات الأخرى، وهو ما تكتشفه وسائل الإعلام الرباعية خارج الخرطوم.
المشهد الآن في السودان محكوم بلعبة القوى والتوازنات: هل ينجح صوت السلام في كسر زخم الحرب، أم أن التنظيم الإخواني سيعيد رسم الخرائط القتالية باسم الدفاع عن "الدولة الإسلامية"؟ الدور القادم للأطراف الدولية والمحلية حاسم، وسيكشف إلى أي مدى يتمكّن الشعب السوداني من اجتياز الحرب إلى الاستقرار.
>
