تمسك سلطة المهرة بإيرادات الحكومة.. أول امتحان لخطة التعافي الاقتصادي
السياسية - منذ ساعتان و 4 دقائق
عدن، نيوزيمن، خاص:
كشفت الموقف الصادر عن السلطة المحلية بالمهرة، الرافض لتحصيل الحكومة كامل الإيرادات الجمركية بالمنافذ الحدودية، عن حجم التحديات أمام خطة مجلس القيادة الرئاسي للإصلاحات الاقتصادية.
خطة الإصلاحات أو التعافي الاقتصادي فرضتها الأزمة المالية الخانقة التي خلفها توقف تصدير النفط جراء هجمات مليشيا الحوثي الإرهابية أواخر 2022م، وإصرار المانحين مؤخرًا على إجراء الحكومة والرئاسي إصلاحات اقتصادية وإدارية جذرية قبل الحديث عن أي دعم مالي.
وتنفيذًا لهذه الخطة، أصدر مجلس القيادة الرئاسي قراره رقم (9) لعام 2025م، متضمنًا عددًا من الإجراءات، على رأسها معالجة الاختلالات القائمة في عملية تحصيل وتوريد الموارد العامة في المحافظات المحررة.
وتعاني الحكومة من سطو سلطات هذه المحافظات على إيراداتها ومنع توريدها لحساباتها في البنك المركزي، ليأتي معالجة ذلك كأول إجراء في قرار مجلس القيادة، الذي ألزم سلطات المحافظات بتوريد هذه الإيرادات لحسابات الحكومة في البنك المركزي، ومنع الصرف منها تحت أي مبرر.
كما ألزم القرار محافظي المحافظات المحررة بعدم التدخل في أعمال وشؤون المنافذ الجمركية، سواء بمنح أي تخفيضات أو إعفاءات جمركية، أو أي تدخلات غير قانونية أخرى، على أن تخضع كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية للإجراءات الجمركية الحكومية بشكل مباشر.
أول تنفيذ لما سبق جاء من أقصى رقعة جغرافية تُسيطر عليها الحكومة الشرعية شرقًا، وهي محافظة المهرة، وتحديدًا منفذ شحن الحدودي مع سلطنة عُمان، حيث قام مدير جمرك المنفذ ثابت عوض مبارك بتوريد إيرادات الجمارك إلى الحساب الحكومي في البنك المركزي بعدن، بحسب مصادر محلية.
إلا أن ذلك كان بمثابة فتيل أشعل أزمة سياسية غير مسبوقة، ولا تزال مستمرة حتى اللحظة، كما تكشفها سطور الوثائق الرسمية الصادرة من أطراف الأزمة.
الأولى كانت من مدير الجمرك، التي كشف فيها وصول لجنة من السلطة المحلية برئاسة الوكيل بدر كلشات إلى المنفذ السبت، لإبلاغ سلطات المنفذ بتوريد إيرادات الجمارك بشكل مباشر إلى حساب السلطة المحلية.
مدير جمرك شحن أوضح، في خطاب وجهه إلى رئيس مصلحة الجمارك، أن اللجنة قامت بتهديد الموظفين بالطرد والسجن، واستبدال الطاقم الوظيفي الحالي بآخر جديد ينفذ توجيهات السلطة المحلية.
بدوره، نقل رئيس مصلحة الجمارك ما ورد في مذكرة مدير جمرك شحن إلى رئيس الوزراء، معتبرًا ما قامت به اللجنة المكلفة من السلطة المحلية بالمهرة "انتهاكًا جسيمًا لسلطة الدولة وتعديًا خطيرًا على اختصاصات مصلحة الجمارك وصلاحياتها القانونية، ويُعد سلوكًا خارجًا عن الأطر المؤسسية".
لينقل رئيس الوزراء سالم بن بريك الأمر إلى رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، بخطاب رسمي طالبهم فيه بتدخل عاجل وحازم تجاه ما حصل. وكشف خطاب بن بريك أن الأمر لم يقتصر على منفذ شحن، بل طال أيضًا منفذ صرفيت الحدودي.
واعتبر بن بريك ما حدث تحديًا واضحًا وصريحًا للتوجيهات العليا وقرارات مجلس القيادة الرئاسي، ولا سيما القرار الأخير المتعلق بخطة أولويات الإصلاحات الاقتصادية الشاملة، والرامي إلى ضبط الموارد العامة وتوريدها إلى الخزينة العامة للدولة.
محذرًا من أن استمرار مثل هذه التصرفات يشكل سابقة خطيرة تضر بوحدة النظام المالي والإيرادي للدولة، وتضعف من ثقة الشركاء المحليين والدوليين في مسار الإصلاحات الجارية.
وتكشف الوثائق الصادرة عن السلطة المحلية بالمهرة تقديمها مبررات لموقفها الرافض تنفيذ قرار مجلس القيادة الرئاسي بتحصيل الإيرادات الحكومية بالمحافظات المحررة. ففي إحدى الوثائق التي يوجه فيها المحافظ اللجنة المشكلة من قبله للنزول إلى المنافذ الجمركية لإعادة توريد الإيرادات إلى حسابات المحافظة، يربط الأمر بـ"التفاهم مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي ورئيس مجلس الوزراء ووزير المالية".
وفي وثيقة أخرى يُفصح المحافظ محمد علي ياسر عن مبررات موقفه، في التوجيه الذي أصدره إلى مدير عام مكتب الجمارك بالمحافظة ومديري عام الجمارك بمنفذي شحن وصرفيت، بالاستمرار بالآلية السابقة لتوريد الإيرادات المركزية إلى حسابات السلطة المحلية.
حيث يُبرر المحافظ الأمر بـ"وجود التزامات على السلطة المحلية لتشغيل الكهرباء بالمحافظة وتسديد جزء من الالتزامات القائمة على السلطة المحلية من قيمة وقود الكهرباء ومستحقات مشاريع البنية التحتية بالمحافظة".
هذا المبرر ذاته تقريبًا تقدمه، بعيدًا عن الأضواء، سلطات المحافظات الرافضة توريد الإيرادات المركزية لحساب الحكومة، كما يحصل من قبل سلطات محافظتي مأرب وحضرموت فيما يتعلق بإيرادات الغاز المنزلي والمشتقات النفطية المكررة في المصافي المحلية لشركتي بترومسيلة وصافر.
حيث تقدم سلطة مأرب، التي يشغل محافظها عضوية مجلس القيادة الرئاسي، مبررًا لرفض توريد إيرادات الغاز والمشتقات النفطية بتخصيصها لميزانية المعركة ضد مليشيا الحوثي، في ظل عجز الحكومة عن تغطية ذلك. في حين تحول ملف عائدات المشتقات النفطية في حضرموت إلى محور للصراع بين السلطة المحلية بالمحافظة والوكيل عمرو بن حبريش، الذي يقود حلف قبائل حضرموت.
ورغم الخلاف بين الطرفين، إلا أن موقفهما يكاد يكون واحدًا في عدم منح الحكومة حصتها من عائدات المشتقات النفطية المكررة من إنتاج حقول النفط بالمحافظة، معتبرين أن هذه العائدات من حق المحافظة ويجب أن تُسخّر لخدمتها.
وهو ما يجعل الأزمة الحالية مع سلطة المهرة اختبارًا حقيقيًا لقدرة الرئاسي والحكومة على تطبيق القرار وخطة الإصلاحات، أمام تبرير سلطات المحافظات رفض توريد الإيرادات المركزية بحجة حاجة هذه المحافظات وأبنائها إلى الخدمات والالتزامات الضرورية.
كما أن أي تراجع أو فشل للحكومة أو الرئاسي في ملف الأزمة مع سلطة المهرة قد يفتح الباب أمام تكرار ما حدث في محافظات أخرى لا تزال ملتزمة بتوريد الإيرادات المركزية، وعلى رأسها العاصمة عدن، التي تمتلك أهم مورد لهذه الإيرادات والمتمثل بجمارك موانئ عدن.
ولن يكون الأمر جديدًا، فقد سبق أن أقدمت السلطة المحلية بعدن على خطوة مماثلة منتصف عام 2023م، احتجاجًا على عجز الحكومة وإهمالها لتردي الخدمات بالمدينة، وعلى رأسها الكهرباء، قبل أن يتم تلافي الموضوع سريعًا وعودة الأمور إلى طبيعتها.
ما يرسم صورة حول أهمية الأزمة التي نشهدها اليوم في المهرة، ومدى التداعيات التي قد تنجم عنها سلبًا أو إيجابًا.
>
