الـ2 من ديسمبر… أعادت الاعتبار للنخبة وغيّرت قواعد الاشتباك
السياسية - منذ 9 ساعات و 23 دقيقة
المخا، نيوزيمن، كتب/صالح أبوعوذل:
تدرك الأذرع الإيرانية في اليمن أن معركة الثاني من ديسمبر 2017 لم تُغلق بعد، وأن جولة ثأرية مؤجلة لا تزال تنتظر الحوثيين في قلب صنعاء. فالانتفاضة التي قادها الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ومعه الأمين العام عارف الزوكا، بقيت حاضرة في الوعي اليمني رغم مرور سبع سنوات، وتحولت إلى نقطة بداية لمسار جديد يتشكل من عدن وصولًا إلى المخا.
ومن عدن، التي أصبحت منصة انطلاق للمشروع الجمهوري، انتقلت بوصلة المواجهة إلى المخا، حيث أعادت "قوات حراس الجمهورية" ترتيب صفوفها في إطار المقاومة الوطنية اليمنية. وفي هذا الميناء التاريخي، أحد أعرق الموانئ الطبيعية في البلاد، جرى إعادة رسم المشهد العسكري والسياسي بدعم إماراتي مستمر شمل التدريب والتسليح ومشاريع تنموية واسعة امتدت من الميناء البحري الجديد إلى مطار المخا وشبكة طرقات فكّت الحصار الذي فرضه الحوثيون على تعز، بالإضافة إلى منشآت خدمية في قطاعات المياه والتعليم والصحة. وتحولت المدينة إلى ملاذ آمن لآلاف اليمنيين الفارين من قبضة الجماعة الحوثية المصنفة إرهابيًا.
لم تكن أحداث الثاني من ديسمبر مجرد ذكرى ماضية، بل محطة غيّرت اتجاه الصراع. ففي ذلك اليوم عام 2017 حاول صالح قلب المعادلة داخل صنعاء، معلنًا نهاية تحالف الضرورة مع الحوثيين، قبل أن يُقتل بطريقة غيّرت مجرى الحرب وفتحت سؤالًا ظل معلقًا لسنوات: من يحمل راية الجمهورية بعد سقوط العاصمة؟

بعد سبع سنوات تظهر الإجابة بشكل أوضح. فالقوة التي يقودها الفريق أول طارق صالح تحولت من تشكيل محدود إلى قوة منظمة لها حضور سياسي وعسكري واضح، وتعيد إحياء الدور التاريخي لقوات الحرس الجمهوري، التي مثلت لسنوات العمود الفقري للجيش اليمني.
بعد تسليم السلطة من صالح إلى عبدربه منصور هادي عام 2012، دخل الجيش مرحلة إعادة هيكلة أنهت فعليًا أهم وحداته العسكرية، وأبرزها الحرس الجمهوري، الذي جرى تفكيكه وتحويله إلى قوات برية. وقد اعتُبر القرار في حينه إجراءً سياسيًا بغطاء تنظيمي، خصوصًا بعد أن اتهمت قوى "الربيع الإخواني" تلك الوحدات بأنها مرتبطة عائليًا بالرئيس السابق. أسقطت الهيكلة أهم قوة احترافية واجهت الحروب الست في صعدة وحمت صنعاء، وأفسحت المجال لتقدم الحوثيين نحو العاصمة بعد أن انهارت منظومة الردع الرئيسية.
لكن القوة لم تنتهِ. أعيد تجميع ضباطها وأفرادها بقيادة طارق صالح، القائد السابق لقوات الحرس الخاص، عبر تأسيس "حراس الجمهورية" كامتداد مباشر للحرس الجمهوري القديم، محتفظة بمدرسته القتالية وانضباطه ومعاييره التي افتقدتها المؤسسة العسكرية بعد الهيكلة.
اختيار المخا للاحتفال بذكرى الثاني من ديسمبر لم يكن تفصيلًا عابرًا. فالميناء تحوّل خلال السنوات الماضية إلى نقطة تحول في مسار الحرب وغير قواعد الاشتباك، بعد أن شكّل خط الدفاع الأول ضد تهريب السلاح الإيراني ومركز عمليات القوات الجمهورية الجديدة على الساحل الغربي. ومنه أعاد طارق صالح بناء وحدات المقاومة الوطنية وتوحيد مجموعات كانت متفرقة، لتصبح قوة منظمة حرمت الحوثيين من أحد أهم شرايين التمويل والتسليح التي اعتمدوا عليها لسنوات.
وفي ظل تراجع نفوذ الحوثيين عسكريًا وشعبيًا، تتجه الأنظار نحو القوة الأكثر تنظيمًا شمال اليمن؛ قوة تمتلك عناصر الانضباط والولاء المؤسسي، ولا تنخرط في الولاءات المناطقية الضيقة. فالمقاومة الوطنية أصبحت اليوم الأكثر جاهزية لملء الفراغ المتوقع بعد هزيمة الحوثيين وإخراجهم من صنعاء، مستندة إلى خطاب جمهوري واضح يعيد إنتاج شرعية الدولة، وليس إدارة جغرافيا متنازع عليها.
وتبدو المقارنة مع معركة السبعين يومًا حاضرة بقوة. فكما حاصر الإماميون العاصمة عام 1967 واعتقد الجميع أن الجمهورية انتهت، تكرر الجماعة الحوثية اليوم المشهد ذاته. غير أن الفارق يكمن في وجود قوة منظمة ومستعدة للحظة الحسم، قادرة على إعادة معركة صنعاء إلى مسار مشابه لما جرى قبل ستة عقود، عندما انتصر الجمهوريون واستعادوا العاصمة.
احتفالات الثاني من ديسمبر في المخا هذا العام ليست مجرد استعادة لذكرى سياسية. إنها تأكيد على أن المشروع الجمهوري لم يسقط بمقتل صالح، بل وجد من يعيد صياغته على أسس جديدة؛ قوة منظمة، قيادة واضحة، ورؤية تتجاوز الانتقام إلى إعادة بناء الدولة. إنها رسالة تقول إن مرحلة ما بعد الحوثي لن تكون فراغًا، وإن الطريق إلى صنعاء قد يبدأ مرة أخرى من الساحل، كما بدأ طريق الجمهورية في ستينيات القرن الماضي من جبال صنعاء ذاتها.
2 ديسمبر لم يعد يومًا للذكرى؛ أصبح إشارة لمرحلة مقبلة يعاد فيها رسم خريطة القوة، وتعود فيها النخبة إلى الواجهة في انتظار ساعة الحسم القادمة.
>
