رفع مخيمات الاعتصام.. اختلال أولويات أمن تعز لضبط منفذ تفجير شارع تعز

السياسية - منذ 3 ساعات و 16 دقيقة
تعز، نيوزيمن، خاص:

أعادت الأجهزة الأمنية والعسكرية في محافظة تعز طرح تساؤلات واسعة حول أولوياتها في التعامل مع الجرائم الخطيرة، بعد أن سارعت، الخميس، إلى رفع مخيمات اعتصام سلمية في شارع جمال وسط المدينة، بدلًا من التركيز على ملاحقة منفذي التفجير الدموي الذي هزّ الشارع ذاته، وأودى بحياة ثلاثة أشخاص، بينهم طفل، وأصاب نحو 13 آخرين، معظمهم من النساء وطالبات المدارس.

وبحسب مصادر محلية، فإن الانفجار نجم عن عبوة ناسفة وُضعت أمام مقر حزب التجمع اليمني للإصلاح جناح الإخوان في اليمن، المجاور لمخيمات الاعتصام، في توقيت حرج تزامن مع ساعة الذروة وعودة الطلاب من اختبارات نصف العام الدراسي، ما تسبب بحالة هلع واسعة في أحد أكثر شوارع المدينة ازدحامًا.

ورغم فداحة الجريمة، التي تُعد من أخطر الحوادث الأمنية التي شهدتها تعز خلال الأشهر الأخيرة، اتجهت تحركات القيادات الأمنية والعسكرية سريعًا نحو إزالة مخيمات الاعتصام التي كان ينظر إليها قطاع واسع من المواطنين باعتبارها صوتًا مدنيًا يطالب بالأمن وضبط العصابات المسلحة والجماعات الخارجة عن القانون، بدلًا من الإعلان عن إجراءات عاجلة لكشف الجناة أو تقديم تطمينات للرأي العام.

ويرى نشطاء حقوقيون في تعز أن هذا التحرك يعكس اختلالًا في سلم الأولويات الأمنية، إذ بدت السلطات أكثر حساسية تجاه الاعتصامات السلمية، مقارنة بتعاملها البطيء أو الغامض مع شبكات الاغتيالات والتفجيرات التي أنهكت المدينة خلال السنوات الماضية.

وكانت مخيمات الاعتصام قد نُصبت في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، عقب اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين بمحافظة تعز، أفتهان المشهري، في جريمة هزّت الرأي العام، قبل أن ينضم إليها لاحقًا عشرات من أهالي ضحايا حوادث القتل والانفلات الأمني، للمطالبة بمحاسبة الجناة وتحقيق العدالة وإنهاء حالة الإفلات من العقاب.

ويؤكد مشاركون في الاعتصامات أن مطالبهم لم تتجاوز الدعوة إلى تفعيل دور الدولة، وضبط السلاح المنفلت، وملاحقة العصابات المسلحة المعروفة في المدينة، معتبرين أن رفع المخيمات بالقوة أو دون معالجة جوهرية للأسباب الأمنية، لن يؤدي إلا إلى تعميق فجوة الثقة بين المواطنين والأجهزة الرسمية.

وأثار قرار رفع المخيمات عقب التفجير مباشرة تساؤلات حادة في الشارع التعزي حول ما إذا كانت هذه الخطوة تمثل محاولة لإسكات الأصوات المنتقدة، أو هروبًا من استحقاق أمني أكبر يتمثل في كشف ملابسات الجريمة ومحاسبة المتورطين فيها.

ويحذر نشطاء من أن استمرار هذا النهج قد يفضي إلى مزيد من الاحتقان الشعبي، في مدينة تعاني أصلًا من إرث ثقيل من الاغتيالات والانفجارات والانقسامات الأمنية، مؤكدين أن استعادة الأمن في تعز لن تتحقق بإزالة مظاهر الاحتجاج، بل عبر فرض سيادة القانون، وبناء مؤسسات أمنية مهنية، وتقديم الجناة للعدالة دون انتقائية.

من جانبها أدانت أسرة الشهيدة إفتِهان المشهري، في بيان لها، الجريمة الإرهابية التي شهدها شارع جمال عبد الناصر، وراح ضحيتها ثلاثة قتلى وأصيب 13 آخرون، معتبرةً أن الحادثة تمثل انعكاسًا خطيرًا لحالة الانفلات الأمني المتفاقم في المدينة. 

وأكد البيان أن استمرار العنف وغياب الأمن يدفع المدنيين وحدهم ثمن الفشل في أداء الواجبات الأمنية، مشيرًا إلى أن الأجهزة الأمنية كان يفترض بها توجيه جهودها نحو التحقيق العاجل وملاحقة الجناة، لا مهاجمة خيام الاعتصام السلمي في ساحة الحرية والعدالة وتمزيقها والاعتداء على المعتصمين وتهديدهم بالسلاح.

وشددت الأسرة على أن الانفلات الأمني ذاته هو الذي قاد إلى جريمة اغتيال الشهيدة إفتِهان المشهري، محذّرة من أن المعالجات الانتقائية والقفز على جوهر المشكلة لن تؤدي إلا إلى تكرار المآسي. وطالبت بفتح تحقيق مستقل وشفاف في التفجير، ومحاسبة المسؤولين عن الاعتداء على المعتصمين، وتحميل الأجهزة الأمنية مسؤوليتها في حماية المواطنين بدل ترهيبهم، مؤكدة أن العدالة لا تُفرض بالقوة، وأن تعز لن تستعيد عافيتها ما دام القتلة طلقاء.

وفي أعقاب الانتقادات الواسعة التي طالتها، سارعت الأجهزة الأمنية إلى الإعلان عن ضبط عدد من المتورطين في تفجير العبوة الناسفة أمام مقر التجمع اليمني للإصلاح، في خطوة اعتبرها ناشطون محاولة لتغطية تداعيات استهداف مخيمات الاعتصام السلمية.

وقالت الأجهزة الأمنية، في بيان لها، إن الإجراءات ما تزال مستمرة لتعقب بقية العناصر المرتبطة بالحادثة، مؤكدة أنها لن تتهاون في ملاحقة جميع المتورطين واستكمال الإجراءات القانونية بحقهم وإحالتهم إلى الجهات القضائية المختصة.

وشكك ناشطون في جدية هذه الإجراءات، مؤكدين أن اهتمام الأجهزة الأمنية انصبّ بشكل لافت على رفع مخيمات الاعتصام أكثر من تركيزه على ملاحقة الجناة، مشيرين إلى أن مثل هذه الإعلانات تتكرر عقب كل جريمة دون أن تُترجم إلى محاكمات حقيقية أو أحكام قضائية. واستشهدوا بقضية اغتيال الشهيدة أفتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين في تعز، وغيرها من الجرائم التي نُصبت من أجلها خيام احتجاج في ساحة الحرية للمطالبة بضبط الجناة المعروفين، والذين يتهمهم ناشطون بالانتماء أو الولاء لحزب الإصلاح. 

وأضافوا أن ربط الإعلان عن ضبط المتهمين بقرار رفع المخيمات يُعد محاولة مكشوفة لخلط الأوراق وربط الجريمة بالاعتصام السلمي، بدلًا من معالجة جوهر المشكلة المتمثلة في الانفلات الأمني والإفلات من العقاب.