محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

إيران تسقط بصمت

Saturday 14 June 2025 الساعة 08:56 am

في لحظة سياسية وعسكرية بالغة الحساسية، تعرضت إيران لهجوم إسرائيلي مباشر استهدف منشآت عسكرية ونووية داخل أراضيها. لم يكن الهجوم هو المفاجأة بحد ذاته، بل ما تلا الهجوم: صمت مريب، وردود فعل باهتة، وغياب كامل لردع طالما صدّرت طهران صورته للعالم. 

على مدى عقود، نسجت إيران حول نفسها هالة من "القوة الاستراتيجية" و"الردع الشامل"، وقدّمت نفسها كقوة لا يمكن اختراقها، تلوّح دائمًا برد قاسٍ إذا ما تعرّضت أراضيها أو مصالحها للخطر. لكن الواقع الذي تكشّف بعد الضربة الإسرائيلية نسف هذه السردية بالكامل. إيران، التي ادّعت طويلاً أنها عصيّة على الاستهداف، بدت مكشوفة، عاجزة، وبلا ردّ حقيقي، منذ اغتيال سليماني الى اغتيال هنيه على اراضيها وغيرها من العمليات . 

الصدمة الكبرى لم تكن فقط في الداخل الإيراني، بل في أوساط وكلائها الإقليميين الذين طالما راهنوا على دعمها. الحوثيون الإرهابيون، وجدوا أنفسهم فجأة أمام مشهد مربك: إيران تُقصف... وهم يكتفون بالمشاهدة. كيف لهم أن يقنعوا تابعيهم من المغرر بهم بجدوى الولاء لنظام لا يستطيع حتى حماية نفسه؟ وكيف لخطابهم أن يصمد أمام اختبار الحقيقة؟ 

ما حدث تجاوز كونه ضربة عسكرية. لقد شكّل لحظة انكشاف كامل للمشروع الإيراني في المنطقة. هذا المشروع الذي بنى شرعيته على خطاب "الدفاع عن المستضعفين"، و"مواجهة الصهيونية"، ظهر اليوم عاجزًا حتى عن التصرف كدولة تمتلك قرارات سيادية في الردع والدفاع. 

إيران لم تُهزم عسكريًا في هذا الهجوم وحسب بل انها انهزمت سياسيًا ومعنويًا أمام أنصارها وخصومها على حد سواء. فقدت إحدى أهم أدوات قوتها: "هيبة الردع". ومتى سقطت هذه الهيبة، سقطت معها الحسابات التي كانت تعتمد عليها في إدارة نفوذها عبر الأذرع المنتشرة في العالم العربي. 

في الداخل الإيراني، تتعاظم التحديات: أزمة اقتصادية خانقة، غضب شعبي متنامٍ، وصراع أجنحة داخل النظام، أما في الخارج، فإن الحلفاء المتفرجين باتوا في موضع تساؤل حقيقي حول قيمة تحالفهم مع طهران، وجدوى الاستمرار في تبنّي أجندتها التي لا تحمي أحدًا. 

إن الهجوم الإسرائيلي الأخير لم يكن مجرد طلقة في الهواء، بل كشف حساب سياسي وعسكري لطهران. كشف هشاشتها أمام الضربات، وعجزها عن الرد، بل وعدم قدرتها حتى على حفظ ماء الوجه أمام جمهورها. 

المنطقة بأكملها تتابع المشهد. وسواء أحبّت بعض الأطراف ذلك أم لا، فإن إيران قد دخلت مرحلة جديدة، مرحلة ما بعد السقوط الرمزي. وما كان يُبنى على أساس "رعب الرد الإيراني"، لم يعد صالحًا للاستمرار، لا في اليمن، ولا في لبنان، ولا في العراق.