كان "خميس" 28 أغسطس الفائت بالنسبة للحوثيين يوما مفصليا؛ إذ تحطمت فيه أسطورة الحوثيين، بعدما اختُرقت بروتوكولاتهم الأمنية وأساليب التحصين التقليدية التي حاولوا تشييدها بالحديد والنار.
لسنوات، عمل الحوثيون على ترسيخ فكرة أنهم "يفكرون خارج الصندوق"، وأن أحزمتهم الأمنية مشدودة وغير قابلة للالتواء، وأنهم تجاوزوا خطر الاختراق، وأن صنعاء أصبحت ذات لون وصوت واحد، بعد حملات قمع واعتقالات تهدف إلى إرهاب المجتمع.
تحضيرات أمنية قبل الهجوم
مساء الأربعاء، 27 أغسطس، تلقى رئيس وزراء حكومة الحوثيين بصنعاء أحمد الرهوي وأعضاء الحكومة غير المعترف بها، تعميمًا داخليًا في مجموعة عبر تطبيق (واتساب) يقف خلف التعميم اسم "أبو راغب"، وهو مسؤول دائرة الأمن برئاسة الوزراء، والمشرف الرئيس على تحركات رئيس الوزراء أحمد الرهوي ومن قبله الدكتور عبدالعزيز بن حبتور.
تشير المعلومات إلى أن "أبو راغب" كان ظل الرهوي، ومن قبله عبدالعزيز بن حبتور، وهي مهمته الأساسية، ويرتبط الرجل مباشرة بما يسمى "مكتب السيد"، باعتباره أحد الشخصيات العقائدية المخلصة منذ مرافقته مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي.
في صباح الخميس المميت، شارك "أبو راغب" رئيس وأعضاء الحكومة بعض التعليمات، منها وقت ومكان الالتقاء، وكان في حوش حديقة "فن سيتي" قرب ميدان السبعين.. هناك ترجل الرهوي وكل المسؤولين من سياراتهم، وتم الإبقاء على الحراسة الشخصية والسيارات في المكان، فيما تم نقل الرهوي والوزراء عبر سيارات خاصة إلى الفيلا المستهدفة في حدة.
ضمن الإجراءات الأمنية، لا يتم الإبلاغ مسبقًا أو إلكترونيًا عن أماكن انعقاد الاجتماعات، ولا يسمح بالوصول إلى المكان بشكل مباشر، بل عبر خطوات والتنقل بأكثر من مرحلة.
خلال الأونة الأخيرة، كانت جميع اجتماعات مجلس الوزراء تُعقد في أماكن مختلفة، أبرزها، قبو "بدروم" وزارة النفط والمعادن في شارع الزبيري، حيث يعد هذا المكان من أكثر المباني الخرسانية صعوبة في الاختراق، أحيانا في مقر مصغر للحكومة في مبنى وزارة الخارجية بشارع الستين، وفي أوقات كثيرة، في فلل سكنية بمنطقة حدة، بعض هذه الفلل استُأجرت باسم مؤسسات مثل "جامعة العلوم والتكنولوجيا"، وأخرى تعود لأشخاص معارضين للجماعة وتم الاستيلاء عليها.
وفقًا للمعلومات.. نادرًا ما يعقد مجلس الوزراء جلساته في مقر رئاسة الوزراء، كما أن معظم الاجتماعات لا يحضرها جميع الوزراء، بما في ذلك العقائدين كوزيرا الداخلية والدفاع، ضمن إجراءات أمنية، وهو ما حدث في الاجتماع الأخير.
بروتوكول معقد بأدوات تقليدية
يعتمد الحوثيون على بروتوكول أمني معقد، لكنه يعتمد على أدوات تقليدية ونمطية أمنية قديمة، إلى جانب عدم ثقتهم بالمجتمع، وحتى بالمقربين والموالين لهم.
يقول الخبير الأمني بروس شنير، المعروف بـ"غورو الأمن"، في كتابه التشفير التطبيقي: "إن الأمن ليس مسألة أدوات فقط، بل يحتاج إلى حوكمة، مساءلة، وتقليل التعقيد.. البساطة تحمي أكثر من التعقيد، وجوهر كل بروتوكول أمني ناجح هو الثقة بالمجتمع."
البحث عن "عميل محتمل"
أجهد الحوثيون أنفسهم خلال الأيام الماضية بحثًا عن "عميل محتمل" يقف وراء الهجوم الإسرائيلي الأخير، والذي استهدف مقار الجماعة في صنعاء، أحدها استهدف الحكومة، وآخر استهدف نخبة من شباب الجماعة وقيادات المستقبل، من خلال إجراءات عدة.
كانت أبرز تلك الإجراءات، القبض على مسؤولين في رئاسة الوزراء، منهم من نسق للاجتماع وآخرون حضروا الاجتماع وغادروا قبل الهجوم، بالإضافة إلى عمليات القبض على شخصيات قيادية من درجات متفاوته في الجماعة، كانت قد مكثت لفترات متقطعة في عواصم عربية، ويُتوقع أن تم تجنيد بعضهم لصالح أطراف خارجية.
بعض أقارب وزراء حكومتهم في صنعاء دخلوا دائرة الشك، فتم احتجاز بعضهم وتفتيش آخرين، وصُودرت هواتف كثير من الأقارب، بما في ذلك هواتف خاصة بالنساء.
واصل الحوثيون أيضًا حملتهم ضد العاملين الإنسانيين، حيث اقتحم مسلحون ملثمون وقوات أمنية تتبع أجهزة استخباراتية، مثل جهاز الأمن والمخابرات وجهاز "حراس الثورة" الاستخباراتي المستحدث، مقرات أممية عدة، واعتقلوا خلال العملية العشرات من الموظفين اليمنيين في تلك الوكالات والمنظمات الأممية، بالإضافة إلى مصادرة أجهزة وأقراص صلبة وخوادم وهواتف محمولة خاصة بالمنظمات وموظفيها.
كما واصل الحوثيون عمليات البحث، حيث داهموا عدة منازل في أكثر من حي سكني بالعاصمة، وكذلك منازل في مديرية همدان غربي صنعاء، واعتقلوا عددًا من الموظفين السابقين في منظمات أممية ودولية، وشخصيات معارضة للجماعة.
اعتمد الحوثيون على مختلف الإجراءات الأمنية التقليدية، من حملات المداهمات المباشرة والاعتقالات والاستجوابات، مرورا بالتفتيش والاحتجاز والمصادرة، وصولا إلى ممارسة الضغط على المجتمع وبثّ الإرهاب النفسي بين السكان.. لكن هل امتلكت الجماعة كل التقديرات والدلائل التي تشير إلى أن الاختراق كان بفعل عامل بشري؟!.. ولماذا استُبعدت فرضية "الاختراق الإلكتروني"، سواء عبر تتبّع الاتصالات أو الرسائل، أو من خلال الاعتماد على بيانات حسّاسة، في تفسير ما جرى في الهجوم الأخير؟!
#اليمن
(من صفحته على الفيسبوك)