وداعًا سالم الفراص.. رحيل قلم نزيه حمل همّ المدينة والوطن في صمت
الجنوب - Tuesday 01 July 2025 الساعة 06:54 pm
غيب الموت الكاتب والصحفي اليمني المعروف سالم الفراص، عن عمر ناهز الستين عامًا، بعد صراع مرير مع مرض السرطان، فارق على إثره الحياة في أحد مستشفيات الهند، وفق ما أكدته مصادر مقربة من أسرته، اليوم الثلاثاء.
وبرحيله، يفقد المشهد الثقافي والإعلامي في اليمن أحد أبرز رموزه الذين ظلوا طيلة عقود يُجسدون الصحافة الحرة والكلمة الصادقة، متسلحًا بثقافة عميقة وشغف بالتنوير ووعي مدني مبكر.
وُلد الفراص عام 1965 في قرية القبلة بمحافظة لحج، ودرس في كلية الآداب، ليبدأ مشواره المهني في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي ضمن كادر صحيفة 14 أكتوبر بعدن، حيث لفت الأنظار بأسلوبه المتزن والتقدمي في التغطية والتحليل.
لم يكتف بالعمل الصحفي اليومي، بل خاض مغامرات تأسيسية، كان أبرزها إطلاقه صحيفة "المحيط" الشهرية المتخصصة في قضايا البيئة والآثار، التي ترأس تحريرها، مقدمًا من خلالها رؤية مختلفة لمعالجة الشأن العام عبر ربطه بالهوية البيئية والمعمارية والإنسانية للمدينة.
كرّس الفراص جزءًا كبيرًا من جهده لمناهضة تشويه المدن اليمنية، لا سيما مدينة عدن، فأسس عام 1990 جمعية أهلية لحماية الآثار والمتنفسات العامة، دافع خلالها عن الفضاء العام أمام موجات الاستثمار العشوائي والتعدي على التراث والمشهد الجمالي، وهو ما جعله أحد الوجوه المدنية الأبرز في تلك المرحلة.
كما كان عضوًا في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، ومنظمة الصحفيين الديمقراطيين بعدن، وفاعلًا نقابيًا نشطًا في الدفاع عن حقوق الصحفيين وحرياتهم، في زمن كانت فيه الكلمة مكلفة.
امتد أثر الفراص إلى الحقل الأدبي، حيث كتب القصة والرواية، وكان من أوائل من التفتوا إلى سرد الريف وهموم الفلاح اليمني، كما في روايته الأولى "البحث عن زرنوق"، ثم روايته الأشهر "سرب المحامل"، التي وثقت سيرة أسرة فلاحية وسط التحولات الكبرى بين زمن الإمامة والجمهورية، متتبعة مصير النساء والمهمشين وواقع النزوح من الريف إلى المدن.
وفي الأشهر الأخيرة من حياته، اضطر الفراص إلى السفر إلى الهند لتلقي العلاج، بعد معاناة صحية طويلة، وسط غياب كامل لأي دعم رسمي، ما عمّق مرارة المرض والمنفى العلاجي. وبالرغم من ذلك، ظل صامدًا ومتمسكًا بقيمه، حتى ودع الحياة بصمت، كما عاشها.
نعى عدد كبير من الصحفيين والكتّاب والناشطين اليمنيين الفقيد، مؤكدين أنه مثّل نموذجًا للصحفي النزيه الذي لم يُساوم على الحقيقة، وبقي وفيًّا لقضايا الناس البسطاء، ومدافعًا شرسًا عن الحرية والجمال.
وقال أحد زملائه: "برحيل سالم نفقد آخر الحالمين بعدن كمدينة خضراء يسكنها الحرف والنخيل والكرامة. كان يكتب وكأن الحياة ممكنة، رغم كل شيء".
رحل سالم الفراص، لكنه ترك خلفه إرثًا من الكلمات التي لم تُهادن، ومن المواقف التي لم تُساير، تاركًا في قلب كل من عرفه احترامًا كبيرًا، ودهشة من حجم البساطة التي خبّأ خلفها وعيًا عميقًا وإيمانًا لا يتزعزع بأن الكتابة لا تخون من يخلص لها.